يحاول الكاتب متعب القرني الإمساك بالخيط الناظم لمواضيع ومشاريع 30 رمزاً من رموز الفكر العربي، مسطراً صفحات تحكي سيرَهم وأخبارَهم، وتعرض آراءَهم وأفكارَهم. وحرص القرني على لمّ الرمز من كل أقطاب الوطن العربي عارضا مفكرا واحدا من كلٍّ من الأردن والبحرين والسعودية والعراق وفلسطين، و2 من الجزائر، و4 من كل من سورية وتونس، و5 من كلٍّ من مصر والمغرب ولبنان، ما وفر لكتابه التنويع بين الرؤى والأفكار بحسب البلدان والأقطار. ووضع المؤلف أربعةَ معايير صارمة (مُرتَّبة بحسب الأهمية) في الاختيار، فلم يضم إلَّا من:

كان ذا مشروعٍ فكري مكتمل الأركان مشيّد البنيان، ويعني بالمشروع الفكري منظومة الأفكار التي استحوذت على اهتمام المفكر فأفرد في سبيلها سلسلة من الكتب، أو صاغت مسارا فكريا، وارتأى أن يتتبّع المشاريع ونشأتها وتطورها منذ نهاية الحرب العالمية الأولى (أي 1918) وصولًا إلى عام (2018) وعمد إلى تلخيص مشروع كل مفكر تبعًا لاسمه في عنوانه.

غزارة الإنتاج، حيث اشترط في المفكر أن يكون قد صرف حياته في التأليف في مضمار الفكر والفلسفة؟

الريادة في الفكر العربي.

الخروج عن الاتجاه الفكري العربي العام، إذ هو جديرٌ بالإدراج للموازنة بين الرؤى والنظرات، كي لا يميل المؤلف لنسبة الفكر كله لتيارٍ دون آخر.

مفكرون

اختار القرني من المفكرين من عُنِيَ بنقد «العقول» على اختلاف دياناتها وقومياتها، ونَظَرَ فيها كآلاتٍ إنتاجيةٍ للثقافة والدين والسياسة، ضمن إطارٍ فلسفي إبستمولوجي كالمغربي محمد عابدالجابري في مشروعه (نقد العقل العربي، 4 أجزاء) والجزائري محمد أركون في (نقد العقل الإسلامي) والسوري مطاع صفدي في (نقد العقل الغربي) والسوري جورج طرابيشي في مشروعه (نقد نقد العقل العربي، 5 أجزاء).

كما اختار من اعتنى بقضايا السياسة والدين، كقضايا الإسلام السياسي، مثل السوري برهان غليون (في بيان من أجل الديمقراطية)، المحنة العربية: الدولة ضد الأمة، حوار الدولة والدين، (نقد السياسة: الدولة والدين)، واللبناني رضوان السيد في (الأمة والجماعة والسلطة، الجماعة والمجتمع والدولة، سياسات الإسلام المعاصر)، أو بقضايا السياسة والمجتمع كالبحريني محمد جابر الأنصاري في (التأزم السياسي عند العرب وسوسيولوجيا الإسلام، تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية، العرب والسياسة)، والمغربي علي أومليل في (السلطة الثقافية والسلطة السياسية، الخطاب التاريخي: دراسة لمنهجية ابن خلدون).

تراث

اهتم بعض المفكرين بتجديد التراث، محتوى أو منهجًا كالمغربي طه عبدالرحمن في (العمل الديني وتجديد العقل، جديد المنهج في تقويم التراث) والمصري حسن حنفي في مشروعه (التراث والتجديد: من العقيدة إلى الثورة، 5 أجزاء، من النقل إلى الإبداع، جزأين، من النص إلى الواقع: أصول الفقه، ومن الفناء إلى البقاء: علم التصوف، جزآن).

ومنهم من اتخذ التاريخ اتجاها ومنطلقا، وفَحَصَ ما نشأ فيه من علاقاتٍ سياسية ودينية واجتماعية عبر مراحل التاريخ الإسلامي كقضايا العلمانية أو الفتنة (بين علي ومعاوية) أو المحنة (بين الإمام أحمد والسلطان) كاللبناني وجيه كوثراني في (الفقيه والسلطان، الدولة والخلافة) والتونسي هشام جعيط «الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر، وثلاثية (في السيرة النبوية)» والأردني فهمي جدعان في (المحنة: بحث في جدلية الديني والسياسي في الإسلام، الماضي في الحاضر) والسعودي نايف الروضان (التاريخ المستدام وكرامة الإنسان).

صراع

اهتم بعض المفكرين بدراسة صراع الحضارات وقضايا الإمبريالية والاستعمار، واليهودية والصهيونية، كالجزائري مالك بن نبي في (شروط النهضة، الصراع الفكري في البلاد المستعمرة) والمصري عبدالوهاب المسيري في (الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ، الجماعات الوظيفية اليهودية، مقدمة لدراسة الصراع العربي-الإسرائيلي)، والفلسطيني إدوارد سعيد في (الاستشراق، وتعقيبات على الاستشراق، والقضية الفلسطينية)، بالإضافة إلى اعتناء بعضهم بمسألة الحداثة الغربية في تعلّقها وتعالقها بالفكر العربي والإسلامي، كالمغربي عبدالله العروي في مشروعه «(الحداثة المفاهيمية): مفهوم الأيديولوجيا، مفهوم الحرية، مفهوم الدولة، مفهوم التاريخ، مفهوم العقل» والمغربي عبدالإله بلقزيز في مشروعه «(العرب والحداثة): من الإصلاح إلى النهضة، من النهضة إلى الحداثة، نقد التراث، نقد الثقافة الغربية» والتونسي عبدالمجيد الشرفي (الثورة والحداثة والإسلام، الإسلام والحداثة).

تحليل

ومن المفكرين من اعتنى بالنص والخطاب، تحليلًا وتفكيكًا، وتكوينًا وتشكيلًا، كالفلسطيني إدوارد سعيد في (العالم والنص والناقد) والمصري نصر حامد أبوزيد في (مفهوم النص، النص والسلطة والحقيقة)، واللبناني علي حرب في (نقد النص، ونقد الحقيقة)، وآخرين درسوا الفلسفة تحقيقًا وتأصيلًا، واهتموا بالتجديد والإبداع فيها على نحوٍ مستقلٍّ أو متصل، ومنهم اللبناني ناصيف نصار في (طريق الاستقلال الفلسفي) والمغربي طه عبدالرحمن في (الحق العربي في الاختلاف الفلسفي) والمصري زكي نجيب محمود في (خرافة الميتافيزيقيا، نحو فلسفة علمية، تجديد الفكر العربي) والتونسي أبويعرب المرزوقي في (إصلاح العقل في الفلسفة العربية، وحدة الفكرين الديني والفلسفي)

اقتصاد

اشتغل بعض المفكرين بقراءة الثقافة العربية والاقتصاد العربي من منظار الماركسية من أمثال اللبناني حسين مروة في مشروعه (النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية، 4 أجزاء)، والسوري طيب تيزيني في (من التراث إلى الثورة) والاقتصادي المصري سمير أمين في (التراكم على الصعيد العالمي، والتبادل غير المتكافئ وقانون القيمة)، بالإضافة إلى بعض المفكرين المعنيين بالإسلام ممن قدّموا قراءاتهم الحداثية المقاصدية التجديدية للقرآن الكريم، كالتونسي محمد الطالبي في (كونية القرآن) والعراقي طه جابر العلواني في (الاتجاهات الحديثة في دراسة القرآن الكريم، القرآن المجيد وخطابه العالمي، منهجية القرآن المعرفية، حوار مع القرآن).

إدوارد سعيد

«لقد تلقيتُ تهديداتٍ بالقتل، وأكثرَ من هجوم على مكتبي، كما أن أشخاصًا حاولوا دخول منزلي عنوة. كثيرا من هذا حصل، حتى في الوسط الذي أعيش فيه- الوسط غير السياسي والأدبي الطابع- فإن هذا التهديد يزحف عليّ. لقد كتبتْ الجمعية اليهودية الأميركية مراجعةً لكتابي»العالم، والنص، والناقد«حيث عَنَتْ كلمة»دنيوي«بالنسبة لهم»الدولة الديمقراطية العلمانية«لياسر عرفات، وهو ما يعني (حسب المراجعة) موت اليهود.. ومن ثم فإن سعيد إرهابي».

هذه كلمات مفكر فلسطيني عاش في المنفى طويلًا، منشغلًا بالنقد التطبيقي على كافة مستوياته الأدبية والسياسية والاجتماعية، منغمسًا في التحليل الخطابي لكافة الأطروحات الغربية والدراسات والتقريرات الشرقية، إعلاميا وأكاديميا؛ ساعيًا للكشف عن ظاهرة النقم الغربي الإمبريالي على «الشرق» و«الإسلام» ليتوّج دراساته الطويلة بأعظم أعمال القرن العشرين في الفكر العالمي، كتاب «الاستشراق، 1978».

إدوارد سعيد، ناقد أدبي ومفكر فلسطيني- أميركي مختص في الدراسات الشرقية. نال من جامعة هارفرد الدكتوراه في الأدب المقارن عام 1964. انضم سعيد بعدها إلى جامعة كولومبيا بقسم الأدب، حيث عمل أستاذًا من 1964 حتى نال الأستاذية عام 1992 ومضى في عمله الأكاديمي إلى حين وفاته عام 2003 متأثرًا بمرض اللوكيميا (سرطان الدم).

اهتمامه بدراسة الاستشراق كان «محاولة لإعداد قائمة بالآثار التي خلفتها في نفسي، باعتباري ذاتا شرقية؛ تلك الثقافة التي كانت سيطرتها عاملا قويا في حياة جميع الشرقيين. وهذا هو السبب الذي دفعني إلى أن أجعل الشرق الإسلامي محور الاهتمام». يلاحظ سعيد أن الاستشراق «لم يعد يتمتع بالحظوة القديمة، فالمتخصصون يفضلون استخدام مصطلح الدراسات الشرقية أو مصطلح دراسات المناطق، لسببين: السبب الأول هو أنه يتسم بقدر أكبر مما ينبغي من الغموض والتعميم، والثاني هو أنه من ظلال معانيه الإيحاء بالاستعلاء الذي كان المديرون الأجانب يتسمون به في عهد الاستعمار في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين». يفسر سعيد الاستشراق بعدة أمور يرتبط بعضها ببعض، فـ«أيسر التعريفات المقبولة للاستشراق هو أنه مبحث أكاديمي» ولكن للاستشراق معنى أعم وأشمل فهو «أسلوب تفكير يقوم على التمييز الوجودي والمعرفي بين ما يسمى»الشرق«وبين ما يسمى (في معظم الأحيان)»الغرب«. كما أن من معانيه»ما يستند في تعريفه إلى عناصر تاريخية ومادية، فالاستشراق بصفته المؤسسة الجماعية للتعامل مع الشرق- والتعامل معه معناه التحدث عنه، واعتماد آراء معينة عنه ووصفه وتدريسه للطلاب«.

تغطية

على المستوى الإعلامي، ناقش إدوارد سعيد «تغطية الإسلام» إعلاميًّا، بدراسة المواقفِ الغربية- والأميركية خصوصًا- إزاء العالم الإسلامي، ووصفِ الإسلام بكليشيهات وقوالب لفظية ثابتة تتسم بالتعميم والتهور. يرى سعيد أن «مصدر التضليل هو أن التغطية تُوحي لمن يتلقون الأنباء بأنهم قد فهموا الإسلام، دون أن تقول لهم إن جانبا كبيرا من هذه التغطية النشطة يستند إلى مادة أبعد ما تكون عن الموضوعية. فلقد أدى استعمال مصطلح»الإسلام«إلى السماح بقدر واضح من الأخطاء، وبأقوال تنم عن التعبير عن التحيز العرقي الشديد، والكراهية الثقافية بل والعنصرية، والعداء العميق الذي قد يتذبذب صعودا وهبوطًا، وهذه من إحدى المفارقات». ويرى سعيد أن الإشكالية أن «الآراء تتفق على اعتبار»الإسلام«كبش الفداء الذي ننسب إليه كل ما يتصادف أن نكرهه في الأنساق السياسية والاجتماعية والاقتصادية الجديدة في عالم اليوم. فاليمين يرى أن الإسلام يمثل الهمجية واليسار يرى أنه يمثل حكم الدين في القرون الوسطى، والوسط يرى أنه يمثل الغرابة الممجوجة».

مقاربة

المقاربة التحليلية التي يعتمدها سعيد في قراءة الاستشراق هي مقاربة تحليل»الخطاب«، فهو يرى بأننا»ما لم نفحص الاستشراق باعتباره لونا من ألوان «الخطاب» فلن نتمكن مطلقًا من تفهّم المبحث البالغ الانتظام الذي مَكَّنَ الثقافة الأوروبية من تدبير أمور الشرق«. لذلك يستعرض سعيد كمًّا ضخمًا من الخطابات والنصوص والأطروحات والكتابات عن الشرق، ثم يحاول أن يُبرز الصبغة الاستشراقية الكريهة فيها. فيرى سعيد أن هناك صبغة سياسية في الدراسات الاستشراقية، رغم أن»الشرط الحاسم الذي تصطدم به معظم ألوان المعرفة المنتجة في الغرب المعاصر.. هو أن تكون منزهة عن السياسة، بمعنى أن تكون علمية أكاديمية محايدة، تعلو على مستوى المعتقدات المذهبية الحزبية أو ضيقة الأفق«. هذا التلاحم أو»الرابطة ما بين المعرفة والسلطة، هي التي أوجدت صورة الشرقي«وطمست، من زاوية ما، وجوده باعتباره إنسانًا».

خلص سعيد من دراسته لعدة خطابات أنَّ «تاريخ الشرق، باستثناء الإسلام، حتى القرن التاسع عشر، تاريخ سيادة غربية متصلة الحلقات، ولا شك أن الإسلام كان يُمثّل مصدر استفزاز حقيقي من زوايا عديدة. فموقعه مجاور وقريب من المسيحية، جغرافيًّا وثقافيًّا، إلى حد مقلق. فلقد ... حقق من النجاحات العسكرية والسياسية التي لا تُبارى ما حُقَّ له أن يتفاخر به، أضف إلى ذلك أن قلب الدولة الإسلامية كان دائمًا يقع في أقرب المواقع إلى أوروبا» وهو دافع هام من دوافع الاستعمار.

يرى سعيد بأنَّ القوى السياسية ساعدت الاستشراق على التفرقة الحادة بين شعوب الشرق والغرب، إذ قام الاستشراق بـ«إضفاء المزيد من الجمود على الشعور بالاختلاف بين مناطق العالم الأوروبية والآسيوية. وحجتي تقول: إن الاستشراق في جوهره مذهب سياسي فُرِضَ فرضا على الشرق، لأن الشرق كان أضعف من الغرب، وإنه تجاهل اختلاف الشرق الراجع إلى ضعفه».

برهان غليون

«لم تكن السياسة أمرا بعيدا عن اهتمامي الشخصي طوال العقود الخمسة الماضية، أنا لا أعتبر نفسي سياسيا ولم أترك الثقافة والبحث ولكنني مثقف وأكاديمي شارك مثل الآلاف في ثورة غَيَّرتْ شروطَ حياة السوريين كلها ومفاهيمهم، وما كان يمكن لي أن أقف مكتوف الأيدي تجاهها، ولا أن أرفض مهمةً طُلِبَ منّي القيام بها لصالحها. والثورة أبعد من السياسة وأشمل بكثير». هذه كلمات مفكر سوري صار ضلعا هاما في السياسة والفكر، باحثا ومنقبا في مكوناتها، ومشاركًا في التكوين الفكري لمفهوم دولة المواطنة والحرية، الساعية لوأد الصراعات الأيديولوجية والطائفية والعشائرية تحت منظومة سياسية عادلة تحقق العيش الكريم للمواطن مهما يكن حلمه وتطلعه وأيًّا يكن مكانه وموضعه على خارطة الوطن العربي.

برهان غليون مفكر سوري من أبرز مفكري العرب في القرن العشرين، هاجر إلى فرنسا لينال شهادة دكتوراه الحلقة الثالثة في علم الاجتماع السياسي عام 1974، من جامعة باريس الثامنة على رسالة حول الدولة والصراع الطبقي في سورية في الفترة التاريخية 1945-1970. عاد بعدها إلى جامعة دمشق ليمارس مهنة التدريس، وذلك قبل أن يغادرها مرةً أخرى عام 1974 إلى باريس لإعداد دكتوراه الدولة في الفلسفة والعلوم الإنسانية التي حصل عليها عام 1982 عن رسالة «خطاب التقدم خطاب السلطة، فكرة الحداثة في الفكر العربي الحديث». ظل غليون في فرنسا بعد ذلك حتى نال الجنسية الفرنسية وفي عام 1990 بدأ مسيرته التدريسية ليصبح أستاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون منذ عام 1996.

اغتيال عقل

كتب غليون مؤلفات ضخمة تأصيلية على عدة أصعدة فكرية وثقافية

وسياسية. وفي قراءته الشهيرة للعقل المسطرة في كتابه «اغتيال العقل» ينتقد «العقل السجالي» المنخرط في صراع الأيديولوجيات، إذ أنتج منهجا سجاليا حجب المسائل الحقيقية وخلط بين القضايا والمطالب ومنع الفكر من فهم الواقع حتى ساد كأبرز المناهج في موضوع النهضة والتقدم العربي.

ويرى غليون أن هذا المنهج السجالي يقوم على أربعة عناصر أو أربع آليات رئيسية: 1ـ الاختلاط المنهجي (خلط المسائل الفكرية)، و(2) العقلية السكولستيكية أو انفصال الفكر عن الواقع (انغلاق العقل داخل أطروحات تبلورت وأصبحت تتحكم برؤية العقل للواقع)، و(3) ابتسار الواقع أو تجزيئه (والأولى الرؤية الشمولية الواقعية لدحض التعميم الأيديولوجي)، و(4) الهرب من المسؤولية الفكرية والتقلب الدائم (وتتطلب نقدًا ذاتيًا لا غيريًا). يؤكد غليون في أطروحته بأن العقل ليس اكتشافًا جديدًا في الثقافة العربية، بل هو أكثر المفاهيم رواجًا، ويُعرِّفه قائلًا بأن «ليس المقصود بالعقل، كما هو شائع، عند مفكرين متخصصين، ملكة التفكير المجرد، ولا المنهج العقلاني الفلسفي أو العلمي، ولا الأيديولوجية العقلانية، إنما هو جملة المفاهيم الراسخة والمترابطة، أو بالأحرى تنظيم هذه المفاهيم وترتيبها حسب أولويات ومراتب، يحاول المجتمع من خلالها وبها، وتحاول كل ثقافة أيضًا، استيعاب الواقع الموضوعي وتمثله، أي في الوقت نفسه تنظمه».

يحاول غليون، من خلال ذلك، إحياء الوعي بهذا العقل وبمفاهيمه وإعادة قراءته وعقلنة الواقع من جديد من منظور ثقافي نهضوي. ففي محاولاته لإعادة قراءة الفشل النهضوي العرب، يرى بأن محنة الثقافة العربية ليست إلا مظهرًا لمحنة الذات العربية وتشتتها بين التأكيد الشكلي للذات والرفض السلبي للآخر. لذلك يتخذ موقفًا توفيقيًّا في بناء النهضة العربية قائلًا بأن «مصير النهضة ليس مُعلَّقًا بإحياء التراث وحده، ولا باستيعاب الحضارة وحده، وإنما بالاحتفاظ بهذا التناقض الحي بينهما، أي بهما معًا، ولهذا فنحن ندعو إلى إحياء أكثر ما يمكن من التراث، والانغراز أكثر ما يمكن في العمق التاريخي العربي من جهة، وإلى استيعاب أكثر ما يمكن من الحضارة والارتماء أكثر ما يمكن في حركة التاريخ الكونية العامة من جهة ثانية. ولا نعتبر أن هناك من وجهة نظر النهضة تناقضًا بين إحياء التراث واستيعاب الحضارة، بل العكس هو الصحيح. ومن هنا نقول: نأخذ من الحضارة ولا نؤخذ بها، ونحيي التراث ولا نحيا به».

الكتاب

أقطاب الفكر العربي

الناشر

دار مدارك

المؤلف

متعب القرني

التصنيف

تاريخ

الصفحات

465