لو أنك سُئلتَ أن تتخيّل ضحية عنف أسري، فما الصورة التي تظهر في ذهنك؟ ولو أنك سئلت عن شكل المعتدي فما نوع الجنس الذي تتخيّله؟ هكذا افتتحت الكاتبة «ناجيش» مقالتها في صحيفة مترو، فشدتني لأقرأ المزيد عن هذا الموضوع، وخاصة أن العنوان كان عن العنف الأسري ضد الرجال! قلت في نفسي: والرجال أيضا؟! خاصة أنني قرأت مؤخّرا ردّ إحدى مؤسسات الحماية ضد العنف الأسري عندنا، حيث طلب أحدهم المساعدة لأنه يتعرّض للعنف من زوجته! وكان الرد بأن حالته ليست من اختصاصهم! تركّز الكاتبة على مفهومين: «الزوجة المعنَّفة» و«الزوج المُعنِّف»، وهاتان المفردتان تفترضان أن جميع أشكال الإساءة عنيفة، وأن جميع الضحايا من النساء! وأنا مع هذا، لأن الاعتداء ليس جسديا فقط، فقد يكون نفسيا، وهو في رأيي أشد وأقوى، ورغم أن غالبية الضحايا من النساء، لكن هذا لا ينفي أن بعض الرجال أيضا هم عرضة للعنف من زوجاتهم، وعليه أوافقها على أن ذلك أيضا يجعل طلب المساعدة للرجال صعبا ومحرجا، وغالبا ما لا يُؤخذ الأمر على محمل الجدّ، فكما نلاحظ على وسائل التواصل الاجتماعي حتى في طريقة نقل الأخبار عن تعرض الرجال للضرب من شريكاتهم، نلاحظ من التعليقات والردود الاستهزاء وتحويل الأمر برُمّته إلى قصة تتناولها الألسن للتندر والضحك! ولكن كما أن المعتدي من الذّكور يشعر بأن لديه الحق في التلاعب والسيطرة على شريكة حياته، كذلك تفعل المعتدية من الإناث! ففي الغرب لا يحتاج الأمر لعقد زواج ليشعر بأنه يمتلك هذا الحق، مجرد أن الضحية تشاركه حياته فهي إذًا ملك له! أما في الدول العربية، فيعتبر صك الزواج، بالنسبة إلى هؤلاء، صك ملكية للتصرف من خلاله كما يشاؤون بالملكية، وهنا أعني الإناث والذكور.

تحدثت سابقا في عدّة مقالات عن مظاهر العنف الأسري ضد المرأة، واليوم سوف أخصص الحديث عن ماهية هذا العنف الموجّه للرجل، وأوجه نفس أسئلة الكاتبة للرجل: هل تجد نفسك تغيّر من سلوكك لتتجنب الصراع مع شريكة حياتك؟ هل تشعر أنك تسير على قشور البيض من حولها، خوفًا من القيام بأيّ حركة قد تفجّر غضبها؟ فإن كانت الإجابة بـ«نعم» فأنت تتعرض لنوع من العنف الأسري، وهنا لا نتحدث عن العنف الجسدي، فهذا قد يحصل فيما بعد، أنت الآن تحت سيطرتها، وهي تتحكم في حياتك! تبدأ بالغيرة عليك من الأخريات، وتظن أن ذلك من نوع المحبة والهُيام، لكن الأمر يتطور ليشمل كل من يدخل دائرة حياتك نساءً كنّ أم رجالا! إن قضاء بعض وقتك مع أصدقائك أو التحدث إليهم تعتبره تعديًا عليها، وإن مرورك على أهلك أو الاهتمام بشؤونهم تعتبره جريمة في حقها، حتى أطفالك الذين هم أطفالها أيضًا، تعتبر اهتمامك الزائد بهم يأخذ من حقّها عليك، والويل لك إن كانوا من زواج سابق! إن هذه الطريقة ليست سوى عملية عزل عن شبكة الدعم الخاصة بك، تجد أن شريكتك تتحول أمامك من تلك المرأة اللطيفة الحنون إلى إنسانة بالكاد تعرفها، بل تبدأ بفقدان معرفتك بذاتك! فكلّ خطأ هو خطؤك، وكل خطوة تخطوها هي بلا هدف وبلا فائدة، وليس لديك القدرة على إدارة الأسرة أو حتى الموارد المالية، فأنتَ تحاسَب على كل قرش تنفقه، وتُمنَع من اتخاذ أي قرار من دون العودة إليها، ليس لديك خصوصية؛ تشعر بأنك مراقَب؛ رسائل البريد الإلكتروني، وحساباتك على التواصل الاجتماعي، وربما تكون قد طلبت منك إعطاءها كل كلمات المرور الخاصة بك! وإن فكرت وتجرّأت على تغيير كلمات المرور فإنها تشعر بالخطر، وتتهمك بإخفاء شيء ما عنها، وتبدأ بابتزازك عاطفيا، ولا تترك طريقة إلا وتستخدمها ضدك حتى التهديد!

تجد نفسك محاصرا، تشعر بالاختناق، تريد طلب المساعدة، ولكنك لا تجرؤ! كيف ومجتمعنا يحاسبك على كونك رجلا، فالرجل يتحكم ولا يتم التحكم به داخل الأسرة! إلى مَن تلجأ وقد تم قطعك عن شبكة الدعم! وإن لجأت إلى أحدهم، فما الذي يؤكد لك بأنك لن تكون مصدر سخرية! ولكن يجب أن تتحرك وتطلب المساعدة، وهذا ليس ضعفا، فقوّتك أصلا تكمُن في بقائك ضمن هذه العلاقة رغم تأثيرها عليك نفسيا، ربما لأنك تحبها وتأمل أن تتغير، أو لأنك باقٍ على العشرة، ولا تريد أن تحطم أسرتك، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بوجود أطفال، ولكن مهما كانت الأسباب يجب أن تتحرك، وتفعل شيئا ما لتخرج من هذه الحالة الشاذة التي تقيد حريتك، وتجعلك تعيش في قلق وخوف دائم! تحتاج أن تخرج كل ما يسمّم روحك، فمن يدري ماذا سيحدث؟ قد تنفجر يوما ما، وترتكب حماقة في حق نفسك أو في حقها وحق أبنائك!

وهنا نتمنّى على المجتمع أن يتقبل فكرة وجود مثل هذه الحالات، وأن يبدأ بتقديم سبل التواصل والدعم من أجل إخراج المعنَّفين من هذه القيود، كما يجب أن تكون هناك مؤسسات رسمية تستقبل هذه الحالات، وأن يتم التعامل معها تماما كما يتم التعامل مع حالات العنف ضد المرأة بالسرية التامة والمهنية، فكلّ من الرّجل والمرأة مواطن، وكلّ منهما يستحق الدعم والمساعدة.