في العراء، وتحت أشعة شمس العاصمة الحارقة، وقبل ساعات من دخول الشهر الفضيل، وصيف العاصمة اللاهب وجد عشرات السعوديين والسعوديات من باعة البضائع المتنقلة «البسطات» في «أسواق طيبة» شمال العاصمة الرياض أنفسهم في مهب الريح، بعد أن أزالت إدارة السوق بسطاتهم.

معاناة إنسانية

« الوطن » زارت السوق الشعبي الشهير المحاذي لطريق الملك فهد شمال العاصمة، حيث وقفنا على الوضع ميدانيا، والتقينا بعدد من « البساطين » من الجنسين الذين ظهروا في حالة نفسية سيئة، يملؤهم الحزن وقلّة الحيلة، من بينهم مسنات وأرامل غرقت عيونهن بالدموع أثناء حديثهن ل« الوطن » حيث يتلحفن السماء تحت أشعة الشمس الحارقة، ووسط حرارة الجو العالية وهدير محركات السيارات ونفث عوادمها ما ساهم في زيادة معاناتهم.

فيما تحوّل أحد الشوارع المحاذية للسوق وساحات إحدى الأراضي الفضاء إلى ملجأ لهؤلاء البساطين لعرض بضائعهم على طاولات صغيرة متحركة محشورة بين الأرصفة وبين ممرات دخول وخروج المركبات، مما يشكل خطرا كبيرا عليهم وعلى زبائنهم. منذ الأسبوع « البساطين » وبدأت أزمة الماضي حين قامت إدارة السوق بإزالة البسطات من محيط السوق، لحل مشكلة تكدس البضائع في الممرات وعلى الأرصفة، لكنها قبل أن تزيل البسطات لم توفر حلا بديلا لهؤلاء

الباعة، واختارت أن ترمي بضائعهم بعد أن تم تركيب لوحات « في العراء » تحذيرية بإزالة البسطات.

28 عاما من الكفاح

قالت المسنّة أم نايف (70 عاما)، والتي تجلس على كرسي متحرك أمام بسطتها على قارعة الطريق لـ«الوطن»، إنها منذ 28 عاما وهي تعول أسرتها من خلال الدخل البسيط الذي تكسبه من بسطتها في السوق، مشيرة إلى أنه في الماضي كان هناك تعاون مع إدارة السوق السابقة، وتم تركيب «كشكات» داخل السوق لعرض بضائع الأسر السعودية، إلا أن تلك الكشكات ألغيت، فلم تجد مكانا لعرض بضاعتها سوى الأرصفة والساحات الترابية المحيطة بالسوق.

وطالبت أم نايف الجهات المختصة بالوقوف على معاناة البساطين، واتخاذ الإجراءات التي تكفل لهم إنسانيتهم، وتساعدهم على تحمل ظروفهم المعيشية.

مسؤوليات إنسانية

قال عدد من الباعة السعوديين الذين التقتهم «الوطن»، منهم ماجد العتيبي، وسعود الرشيدي، ومحمد العتيبي، وماجد القحطاني، وأم عبدالعزيز، وأم فيصل، إن مصدر رزقهم الوحيد من البسطات، وتم إخراجهم من السوق بالقوة، وبعثرة بعض بضائعهم في العراء، وخسر بعضهم مبالغ كبيرة غالبيتها بالقروض والديون. وأضافوا أن إدارة السوق وعدتهم ببناء كشكات خاصة بهم منذ 7 سنوات، وطلبت منهم هوياتهم الثبوتية لهذا الغرض، ولم تفِ بوعودها، بل طردتهم خارج المكان، مطالبين الجهات المعنية بالتدخل فورا لمعالجة وضعهم، وتوجيه كافة الأسواق بالعاصمة لإيجاد كشكات مجهزة وآمنة لهم، مشيرين إلى أن الأجانب مسيطرون على محلات السوق، كما تم استغلال مواقع بسطاتهم لتكون مواقف مدفوعة للسيارات.

سوق للبساطين

قالت المواطنة فاطمة الغامدي «أعمل في مجال تنظيم الفعاليات الحرفية والأسرية، ومطلعة على أحوال أكثر من 70 مسنة وأرملة ومطلقة وخريجة جامعية أجبرتهم الظروف على البيع في البسطات داخل السوق، فقد تم ترشيحهن قبل عام لتسليمهن الكشكات، وخسرن مبالغ كبيرة في تركيب ديكورات وجلب البضائع والحرفيات، ولكن لم يتم تشغيل الكشكات وتم إخراجهن منها، بل زادوا على ذلك بتكسير طاولات العرض وتخريب بضائعهن». واقترحت بناء سوق كبير للأسر المنتجة وللحرفيات وللنساء المحتاجات للعمل في التجارة البسيطة،

كشكات معطّلة

كانت أمانة منطقة الرياض قد دشنت قبل سنوات مشروع بناء 68 مبسطا نسائيا في الركن الشمالي الغربي من أسواق طيبة، لمنحها للنساء اللاتي يمارسن البيع في الأسواق، لمساعدتهن في مزاولة التجارة بشكل منظم وفي أماكن مريحة. واشتمل المشروع على توريد وعمل مظلات معدنية مزودة بخيام مضادة للحرارة والعوامل الجوية لتوفير البيئة الملائمة للبائعات، إلا أن تلك الكشكات لم يتم تشغيلها منذ ذلك الحين.

بسطات غير نظامية

أوضح رئيس اتحاد ملاك سوق طيبة محمد الشايقي، أن «سوق طيبة أملاك خاصة يملكها أشخاص بصكوك شرعية، لذلك تم إنشاء اتحاد ملاك خاص به بموجب أمر سامٍ، ومن مهام الاتحاد المحافظة على الأجزاء المشتركة «المشاعة»، والتعاقد مع شركات للأمن والنظافة والصيانة، وعندما بدا الاتحاد مباشرة مهامه التنظيمية للسوق وجدنا أن ملاكه ومستأجريه يعانون تواجد عدد من البسطات العشوائية غير النظامية، وغالبية القائمين عليها من العمالة المخالفة من نساء ورجال يضايقون أصحاب المحلات بإغلاق مداخل محلاتهم، مما ينتج عنه تزاحم شديد بين المتسوقين، وإغلاق الممرات والمخارج، إضافة إلى تواجد المولدات الكهربائية وأسلاك الكهرباء العشوائية عبر الممرات ومواقد الغاز، مما يعوق الخروج من السوق عند حدوث أي طارئ، كما أبدت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عددا من الملاحظات التي دونتها في خطاب إلى بلدية العليا، فأرسلت الأمانة خطابا للاتحاد لمعالجته تلك الإشكالية». وأضاف أن «بعض الباعة يبيعون بضائع مقلدة ومغشوشة وأطعمة غير معروف مصدرها، ومدى سلامتها للاستهلاك الآدمي، ولا تخضع للاشتراطات الصحية، إضافة إلى استيلاء بعض البساطين على مواقع بالممرات والساحات ومحيط السوق بالقوة، ووضع اليد عليها وتأجيرها بدون حق». وأوضح الشايقي أن «عددا من الملاك والمستأجرين تقدموا لإدارة الاتحاد مطالبين بإزالة هذه البسطات، فقام الاتحاد بإشعار الباعة عدة مرات وطلب إخلاء مواقعهم لعدم نظاميتهم، وعند عدم تجاوبهم وتصادمهم مع عناصر الحراسات الأمنية الخاصة بالسوق، قام الاتحاد بالتنسيق مع الأمانة لإزالتهم بصفتها الجهة المختصة، وقامت الأمانة بمساندة الجهات المختصة بإزالتهم». وأبان أنه «عند إصرارهم على العودة ومزاولة البيع وتكرار ذلك، قامت إدارة الاتحاد بالرفع إلى أمير منطقة الرياض بالمطالبة بإزالتهم والحزم معهم لضمان عدم عودتهم، نظرا لأن السوق ملك خاص تم الاعتداء عليه، فصدر التوجيه للجهات المختصة بدعم ومساندة الاتحاد لمعالجة ذلك، وتم التنسيق مع الأمانة والجهات المختصة للإزالة.