دون مبالغة، ربما لا يوجد -منذ عقود- مشروع تنموي واقتصادي وسياسي سيغير حياة السعوديين حاليا ومستقبلا، كما ستفعل رؤية 2030 إذا طُبقت كما أُريد لها.

دعوني أعترف أنني أكتب كثيرا عن الرؤية، ودعوني أعترف أنني متحمس لها جدا، وربما يرجع ذلك لأنني أراها أمل الوطن، وأيضا جزئيا كنت أكتب عن أفكار الرؤية، وأنادي بها منذ 9 سنوات، وجاء ولي العهد وحوّل الحلم إلى حقيقة.

الجزء الأهم والأكثر حساسية في الرؤية هو التطبيق، وما أدراك ما التطبيق؟.

للأسف، هناك بعض الملاحظات التي كنا نتمنى ألا نراها، لكن مع كل تغيير تكون هناك نواقص ستصلح مع تقدم الرؤية.

إذا أردنا التطبيق الجيد، فربما مقولة هنري فورد مناسبة «أنْ نتجمع سويّا فهذه البداية، وأن نبقى سويّا فهذا تقدم، وأن نعمل سويّا فهذا هو النجاح».

أولا: الرؤية لكل الوطن، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، وهي تجلب الازدهار لجميع أرجائه، وعلى الجميع أن يشارك فيها سواء كان رجلا أو امرأة، لكن يتم اختيار بعض الموظفين والمسؤولين لشغل بعض المناصب في الرؤية وأقسامها.

وللأسف، يحضر البعض حوله من يعزّ عليه، بغض النظر عن المؤهلات.

أتفهم جدا أن البعض يحضر من تعوّد عليهم أو بعض فريقه، لكن أن يصبح الموضوع هو السائد فهذا يمنع الكفاءات.

إن واحدة من أهم مهام المسؤولين هي «صيد العقول»، وتحضير جيل جديد من المسؤولين ليساعدوه أو يخلفوه، أما أن تحضر من تعرفه ويعزّ عليك دون مفاضلة أو مقارنة، فهذا شيء يضر بالرؤية وتطبيقها، لأن الجميع سيكونون بالفكر نفسه، وستختفي أهم العناصر في نجاح أي تطور بشري، ألا وهو التنوع والمنافسة.

لست أنا من لاحظ ذلك، بل بعض الزملاء الكُتاب أيضا. يقول الزميل الدكتور أحمد الفراج في تغريدات «عزيزي المسؤول: الدولة منحتك الثقة والمنصب لتنفذ أجندتها وتختار الكفاءات المؤهلة لذلك، وليس لاستقطاب أصدقائك الذين بإمكانك أن تستضيفهم في منزلك أو استراحتك، وتمنحهم ما تشاء من الهدايا من مالك الخاص».

رغم زياراتي القصيرة والمتكررة للمملكة، إلا أنني ألاحظ بوضوح عند زيارة بعض المسؤولين، أنه محاط بالجماعة نفسها التي كانت معه في منصبه السابق، حتى لو تغيّر المنصب أو المكان كليا. نقدر جداً وفاءك كمسؤول لفريقك، لكن هذا دليل على عدم قبول العناصر الجديدة والتجديد، والرؤية بحد ذاتها تجديدية، كما أن الفريق المحيط مع الوقت سيتبرمج على أفكار المسؤول، ولن نرى أفكارا جديدة خلاقة.

ومها بلغ ذكاء المسؤول، فلن يستطيع أن يغلب ذكاء التعدد والاختلاف، يقول جيم رون «ليس هناك واحد منا أذكى منا مجتمعين».

نحتاج دون مبالغة إلى صيد وعقول واستقطاب كفاءات، ولكن ليس كما يحدث في بعض الأحيان، من استقطاب الكفاءات بناء على المعارف والتوصيات، بل يجب أن يقع الاختيار بناء على السير الذاتية والمؤهلات وعملية شفافة ومحكمة حتى نضمن التعدد ووصول الجميع إلى ما يستحقونه من مناصب بناء على مجهودهم، وليس بناء على توصية فلان أو معارف فلان.

ثانيا: بعض المسؤولين يلاحظ في الفترة الأخيرة أنه بدأ باستقطاب الشو، ومشاهير التواصل الاجتماعي، حتى لو يذهب لمهمات خارجية، وكأنه موجه تركيزه للداخل للتلميع، وللأسف صارت موضة استقطاب مشاهير السناب منتشرة للتلميع والتغطية.

يا عزيزي، المسؤول دائما وأبدا «الأفعال أقوى صوتا من الأقوال»، وحين ترسل بمهمات داخلية أو خارجية، فإن الهدف الأسمى هو خدمة البلد وتمثيل مصالحها، أما هياط التواصل الاجتماعي فكل يقدر عليه، إحضار مشهور سناب وإعطاؤه المقسوم وسفريات، سيقول في أي واحد كان ما لم يقله المتنبي في سيف الدولة، وما مؤهلات فلان كي تستقطب للشو والتطبيل، إذا كان هذا المشهور أهلا لها فلا مانع فالرؤية للجميع، أما إذا الموضوع مجرد شو ولا يملك المؤهلات ولا المهارات إلا أنه متابع من عدد كبير، فهذا لن يخدم الرؤية.

ثالثا: الوجوه نفسها تقريبا تراها في كثير من المناسبات المتعلقة بالرؤية وأنشطتها، لا أعرف، لكن اللائحة معدة مسبقا وجامدة، وكأنهم مجموعة في قروب واتساب، التنويع مطلوب في المناسبات، والاجتماعات الدولية تفتخر دائما بتغيير الوجوه، أو حتى اكتشاف وجوه جديدة.

رابعا: الرؤية خارجيا، كما هو معلوم وهناك شبه اتفاق أن إعلامنا الخارجي للأسف ضعيف، بل إن بعضه تركيزه للداخل أكثر من الخارج رغم صلابة الجبهة الداخلية. إن منظر الرؤية الخارجي يجب الاهتمام به خلال أدوات إعلامية محترفة قوية، أما استخدام الأدوات القديمة فأثبت عدم جدواه.

هناك حملة إعلامية شرسة على الرؤية من جهات إقليمية معروفة، وأيضا من اليسار الغربي، والمنظر الخارجي للرؤية مهم، لأن من خصائصها وأهدافها جذب الاستثمار والعالم إلى المملكة.

كتبنا عن الإعلام الخارجي عدة مقالات، لكن -للأسف- لم نر تحركا ملموسا، خصوصا مع الضعف القوي لبعض سفارتنا بالخارج فيما يخص التمثيل الإعلامي.

لا شك عندي أن ولي العهد مدرك جدا التحديات التي تواجه الرؤية، وهو عرابها والملم بأدق تفاصيلها، فهي تمثل -بعد الله- أمل السعوديين في المستقبل. وبإذن الله سنرى تعديلا وتحسينا لمسار الرؤية، والطبيعي بأي تغيير جذري في حياة الأمم أنه يحتاج إلى التغيير والتعديل باستمرار حسب الحاجة، لأن الرؤية بطبيعتها ديناميكية وليست جامدة، بل أهم ما يميز الرؤى الناجحة أنها تستجيب للمتغيرات.