يطرح كتاب "كرة القدم لغير الناطقين بها" الذي نشرته دار مدارك من تأليف الدكتور راشد بن زوما وصالح الخليف، كثيراً من الأسئلة، في محاولة مضنية للبحث عن إجابات حول الأسرار التي جعلت هذه اللعبة تتربع على عرش القلوب، دون أن يجرؤ شيء على إزاحتها، وهما يحكمان مبكراً "الذين يعتقدون أن تصاعد مسيرة كرة القدم ستصطدم يوماً بواقع جديد إنما يمشون في الاتجاه الخطأ.. فليس شيء يلوح في الأفق القريب أو البعيد بإمكانه إزاحة الصخرة من أعلى الجبل، فالرياح العاتية تمر عليها مرور الكرام والعواصف لا تحرك فيها ساكناً.. والأمطار الغزيرة تهطل كل عام فتغسل الغبار عنها ليس إلا.

أما نهايتها أو توقفها أو تراجعها فهذه جميعها رهانات خاسرة لا يمكنها تحقيق مرابح ومكاسب واقعية.. أي محاولة لإزاحة كرة القدم عن مكانتها وموقعها ورمزيتها ليس سوى حلم عبثي لا يمكن فتح نافذة النقاش ليس لتحقيقه فحسب بل حتى مجرد التعاطي معه كفكرة تبدو كالأشجار التي تساقطت أوراقها في أول الخريف".

أسرار الحب

يحاول المؤلفان البحث عن إجابة لسؤال "لماذا يحبونها.. لماذا يكرهونها؟" ويقصدان كرة القدم، ويقولان "لا شيء في علم الاجتماع وعلم النفس يفسر حالة الحب والكراهية في حياة الإنسان.. إنهما عمليتان لا ترتبطان بأي مؤثرات أو ضغوطات أو رغبات. اتركوا محبة الفرق وكراهية فرق أخرى... ما هذه إلا أحد التفريعات التي يمكن بسهولة التعاطي معها واستيعابها، فيما يبقى السؤال المتكدس دون إجابة قاطعة ينمو ويتمدد... بالفعل لماذا يحب فريق عريض من الناس كرة القدم حد الإدمان وبنسبة أقل يكرهها ثلة من بني آدم لدرجة الحرب والقطيعة وتشويه السمعة؟ وللإجابة يحددان 16 سبباً، ويقولان "ليست أبدا أسبابا عابرة وهامشية رغم بساطتها تلك التي جعلت من كرة القدم لعبة تسود نظيراتها ومثيلاتها رغم كل التحفظ على أن هناك ما يوازيها أو حتى ينافسها ويشاركها في ذلك الضوء". لكن ما الأسباب التي جعلت كرة القدم تنتزع القمة والمراكز الأولى وتتربع على العرش بتلك الثقة والقوة والإصرار؟ونعتقد أن إجابة هذا السؤال تتلخص في ستة عشر سببا ويمكن أن يكون في هذه الأسباب اشتراكات تتداخل مع منظومة وصيغة وطبيعة ألعاب أخرى، لكن كرة القدم وحدها التي احتوت جميع هذه الأسباب؟

أ ولاً: قانونها السهل المتاح

والمعنى هنا، أن قانون كرة القدم بسيط وواضح ولا يخالجه أي تعقيدات ربما تشوه تركيبتها.. إن قانون كرة القدم الذي لا يتوقف الكثيرون عند تفاصيله ولا ينبهر الكثيرون في تقاسيمه إنما هو سر أسرار نبوغ اللعبة وتفردها وسحرها الذي لا ينقطع.

ثانياً: متعتها ولذتها التي تتعدى الحدود

فلا تتطلب كرة القدم الدخول في أجوائها حتى يمكن الاستمتاع بها، فحتى لو لم تكن قد ركلت الكرة ولو لمرة واحدة في حياتك فبإمكانك أن تعيش لحظات سعيدة داخل إطارها وداخل عالمها المليء بالتحدي والقوة والإثارة والتشويق.

ثالثاً: عدم التقيد بعدد اللاعبين

المتعارف عليه في المواجهات الرسمية التي تقام تحت مظلة الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بأن هناك أحد عشر لاعباً يقابلهم في الجهة المقابلة أحد عشر لاعباً آخرين، وهذا أمر إلزامي فيما يخص المواجهات التي تأخذ الطابع الرسمي، لكن كسر هذه القاعدة متاح وفي متناول الجميع، حينما تقام مباراة في حارة أو في تدريب أو داخل مدرسة، فيمكن أن يلتقي ثلاثة ضد ثلاثة أو أربعة ضد أربعة وهكذا.

ر ابعاً: أخطاء التحكيم وهفواته وكوارثه

لا غرابة في أن يردد الكرويون دائماً ما يعني في مجمله أن أخطاء التحكيم جزء من اللعبة، فهناك مئات من تلك الأخطاء التي أسهمت بصورة مباشرة أو غير مباشرة في تحويل مسار بطولة أو لقب من فريق أو منتخب إلى الجهة الثانية. لقد أعيت السبل المسؤولين في فيفا للحد من أخطاء وكوارث الحكام لكنهم أولاً وأخيراً يصطدمون بحقيقة وواقعية أن تلك الأخطاء مهما تجسمت ستبقى عاملاً يعطي اللعبة مزيدا من عوامل الخروج عن المألوف التي لا تتمتع بها لعبة أخرى.

خامساً: لعبة تتحدى الأماكن

كثير من الألعاب تحتاج إلى تجهيزات وأدوات وبيئة خاصة ومهيأة لممارستها إلا كرة القدم، فيمكن أن تُقام داخل شوارع ضيقة، ويمكن أن تجرى مباراة في باحة سوق شعبي أو ساحة حديقة أو في أي أرض فضاء واسعة كانت أم ضيقة.

سادساً: طرق عدة ومتنوعة لممارستها والاستمتاع بها

ليس بالضرورة أن تمارس اللعبة بشكل متكامل... بمعنى يمكن أن تلعبها بتسديد ركلات ترجيح، أو تسديد ضربات ثابتة بعيدة المدى، أو استعراض مهاراتك الذاتية والشخصية مع الكرة فقط، أو حتى اختبار قدراتك بالضربات الرأسية مثلاً، ويمكن أيضاً أن يمارسها لاعبان دون التقيد بقانون المرمى أو الهدف أو غيره، فالمعنى الذي نريد الوصول إليه ونقف عنده هو القول، إن كرة القدم مجال واسع ومفتوح على كل الاحتمالات.

سابعاً: السهولة عنوانها مكانا وزمانا

لا تتطلب كرة القدم أي استعدادات وتجهيزات مسبقة ولكون ممارستها في أي وقت وأي مكان متاح على الدوام، وهناك إمكانية كبيرة لممارستها دون الالتزام بأزياء رياضية، وإنما قد تمارس أحياناً حتى بملابس موغلة في الرسمية. ثامناً: بحضورها الجميع متساوون في كرة القدم تلغى كل الحسابات، وتلغى خلفيتك وتاريخك ويبقى أمامك مقدرتك على الفوز في أرض الملعب.. هناك أحد عشر لاعباً، وهناك تسعون دقيقة، وهناك رؤوس متساوية.

تاسعا: الحظ يلعب فيها دورا حيويا

الحظ في مجمله لغة إنسانية شيقة ومحببة للنفس حينما يكون في صفنا، ويكون كريهاً لئيماً جشعاً قاتلاً استفزازياً عندما يقف في وجوهنا، وملاعب كرة القدم فيها من حكاوي الحظوظ الجيدة والسيئة ما يملأ الصفحات والمجلدات والذكريات، يمكن القول بأنه فعلا لاعب، ربما يكون زائدا معك أو ناقصا مع خصمك.

عاشرا: اللعبة الوحيدة التي تعتمد على القدم

الإنسان يتحكم بالأشياء من حوله بيديه، فيكتب ويرسم ويحمل ويعزف ويرتب ويضرب بهاتين اليدين ويترك القدمين لمهمة المشي والجري وأيضا لعب كرة القدم. فالتحكم بالأشياء والسيطرة عليها عن طريق القدم أصعب كثيراً من اليدين وهذا أمر يعود أولاً وأخيراً إلى ما يمكن تسميته بسيكولوجية الجسد... التحكم باليد ليس فيه موهبة واضحة أو جمال، بينما القدم على الطرف الآخر يفرض عليها في هذه اللعبة شيئا ليس من اختصاصها أو مهمتها.

الحادي عشر: حينما تفوز على منافسك القوي

في عالم كرة القدم وحدها ليس هناك نتيجة مضمونة مائة بالمائة... فالأقوياء أحياناً كثيرة يتساقطون أمام منافسين أقل إمكانية وأقل قدرة وأقل نجومية... فالأمل يحدو كافة المتنافسين على الخروج بالفوز والانتصار... وكرة القدم لا تعترف بمفاصل القوة دائماً.

الثاني عشر: لا حاجة إلى مواصفات خاصة باللاعب واللعبة

القوة الجسمانية ومواصفاتها متطلبات رئيسية في عشرات الألعاب، لكن كرة القدم تقف في ركن قصي وحدها فاسحة المساحة الواسعة لكل من لديه موهبة أو بع ض منها وتفسح الطرقات أمامه... فلا طول ولا قوة ولا قدرات جسمانية... بالتأكيد هذه القدرات الجسدية أهم وأفضل لولا أن هذه القدرات وغيابها لا تمنع أبداً أو تقف حاجزاً أو عائقاً من ممارسة اللعبة والوصول إلى آخر محطات الإبداع.

ا لثالث عشر: يمكن لك ممارستها حكما ولاعبا

الحكم جزء مهم في لعبة كرة القدم والألعاب الأخرى أيضاً، لكن أوضاعه في كرة القدم يمكن أحياناً وصفها بالغريبة، فحتى تلك المباريات التي تجري في ملاعب صغيرة تتطلب وجود حكم يلعب دور القاضي وصاحب كلمة الفصل بين الفريقين، فإن لم يوجد حكم بصورة متكاملة من الممكن أن يقودها نظرياً حتى وإن كان متفرجاً خارج الملعب بل ربما يصبح الحكم أحد لاعبي الفريقين، وهذا بالطبع أسلوب معتاد وخارج نطاق الرسمية والمباريات الاعتيادية.

الرابع عشر: يمكن أن تتحدث وأنت بعيد عن أجوائها

في كرة القدم يكفي أن تكون متابعاً ومحباً اعتيادياً مثل بقية الناس حتى تستطيع الإدلاء بدلوك وقول رأيك في الحكم وفي اللاعبين وفي المدربين والإداريين والمشجعين... وهذا ما جعلها أكثر شعبوية واقتراباً والتصاقاً بالناس من غيرها.

الخامس عشر: عائلة واحدة

لا يتطلب الكلام عن كرة القدم ومناقشة تفاصيلها الكثيرة مزايا اجتماعية أو إنسانية أو عملية أو علمية خاصة... وإنما تجمع هذه اللعبة وحكايتها الأغنياء والفقراء والبسطاء والمنتمين إلى الطبقات المخملية والبرجوازية وعامة الناس.

السادس عشر: متعة ممارستها يتساوى فيها الجميع

هذا هو السبب الأخير والمقصود هنا أنك تضع كل مميزاتك الاجتماعية والعلمية والعملية كونها لا تقدم ولا تؤخر فيك أو لمصلحتك داخل الملعب والعكس صحيح تماماً... إنها كرة دائرية الشكل والهوية والمضمون... فمتعتها وآثارها النفسية تنعكس عليك أيها المعدوم بالقدر نفسه مع ذلك الذي يعيش حرفتها منعماً مرتاح الخاطر والبال.  

المتحدث الوحيد في العالم

التخصص يغزو العالم كله، العالم يغرق في الأعماق، ليس هناك استثناءات من الهجمة السريعة الشرسة سوى كرة القدم، وحدها ستظل خارج المعادلة وخارج التقييم وخارج العلم وخارج التخصص وخارج ادعاءات المفهومية والمعرفة والأسرار، مشجع بسيط في قرية نائية على أطراف دولة فقيرة ربما يستوعب ويفهم الكرة الشاملة أو أهمية التنظيم الدفاعي أو فلسفة التكتيك في وسط الملعب أكثر من مدرب يقود أحد أشهر وأعرق وأبرز أندية أوروبا، فعلاً كرة القدم علم وحضارة ومعرفة ونظريات تنتقل من مجرد رؤية وفلسفة التلقين النظري إلى التطبيق، هذا لا يجعلها في منأى عن كونها بضاعة رائجة ومزجاة تباع وتشترى بثمن بخس. لا يحق لأحد أيا كان هذا الأحد أن يمنعك من الحديث عن كرة القدم، تسكت أحياناً عن الكلام في مسائل دينية وفقهية وعقائدية لأن الدين يحتاج للعلم والبحث والمعرفة، تلتزم الصمت أحياناً في قضايا السياسة والاجتماع وعلم الفلك، هذه أشياء تتطلب أن تكون ملماً بالحد الأدنى منها حتى لا تصبح أضحوكة ومجرد صوت يردد ما يقوله الآخرون، كرة القدم عالم فسيح، غرد كيف تشاء... قل ما تشاء وكيف تشاء، ومتى ما تشاء وأين تشاء... ومعك كل الحق.

انفعل.. اغضب.. تناقض..

ولا تخجل تأخذ كرة القدم بأجوائها ومشاحناتها استثناء خاصاً حصلت عليه بطرق قانونية ومشروعة، يهدر المهاجم فرصة محققة أمام المرمى فيخرج ذاك المشجع عن طوره وعن طبيعته سواء في المدرج أو من وراء الشاشة في مكان قصي من الملعب بآلاف الكيلومترات يسجل المهاجم نفسه هدفاً في أول المباراة أو آخرها أو منتصفها فيقفز المشجع نفسه إلى أعلى نقطة تساعده فيها قواه وقدراته ولياقته في المسافة الفاصلة بين الأرض والفضاء. في المدرج وفي المجلس وفي المقهى خلف الشاشة... اغضب... وانفعل... ولا تحتاج التبرير أو التأنيب... أو الخجل... لأنك تشاهد كرة القدم... إنها عملية تعطيك استراحة سريعة لتفعل ما يمليه عليك هواك وهوسك وجنونك الخفي بهذه الكرة... ودون خجل!!

جلد منفوخ يهزم الأمم المتحدة

بيت من زجاج يحكم العالم... أقوى مبنى على وجه الأرض... هكذا يخيل إلينا حينما تتصدر قراراته نشرات الأخبار على مدار العام... بيده اليمنى قاذفات الحرب وفي شماله حمامة سلام. يموت ملايين البشر ويهجرون ويحاصرون ويعذبون ويعتقلون بلا ذنب اقترفته أيديهم وتقف الأمم المتحدة بكل قوتها ونفوذها وقراراتها كالمتفرج على هطول المطر. في وجهة أخرى من الكرة الأرضية هناك مبنى آخر يحيط به الرخام الرمادي وتعتليه كلمة من أربعة حروف (FIFA) مصنوعة من الاستيل السميك وسط مدينة زيورخ السويسرية وداخله تدار كرة القدم حول العالم كله... وضع قانون واضح وصارم وحازم لا أحد يحيد عنه إلا وكانت العقوبات بانتظاره ولا يحتاج سوى رسالة بالإيميل أو الفاكس لترضخ له أي قوة كروية على وجه الأرض... الاتحاد الدولي لكرة القدم يستمد كبرياءه وخيلاءه من أهمية كرة القدم ذاتها في تركيبتها الرياضية ثانياً وطبيعتها بين تفاصيل حياة الدول قبل كل شيء. يحترم الناس فيفا لأنهم يرون العدل يتحقق... لا يوجد قوي وضعيف في كرة القدم فكل متنافسين لهما الحق داخل الملعب والأسباب كثيرة أبرزها وضوح القرارات... السر ليس في فيفا ولا قوتها ولا في الأمم المتحدة ولا في ضعفها... السر هو كرة القدم... فيفا قوتها بسبب كرة القدم وليس العكس. في الوهلة الأولى يظن الظانون أن الأمم المتحدة أشرس وأقوى وأفتك وأكثر سلطة من فيفا... هذا نظرياً قد يكون صحيحاً... عندما تعود لتبسيط المسألة وتفكيك أسرارها المكشوفة ووضع الأمور في نصابها... والاعتماد على كشف حساب واضح المعالم والأرقام فإن فيفا سيظهر كالملك المتوج أمام الأمم المتحدة التي تقيدها الأغل ال من يديها وقدميها.  

التكنولوجيا.. الخوف القادم

تسللت التكنولوجيا والتقنية في حياة الناس دون إنذار سابق، تحولت الحياة إلى أرقام والآلات وآلات تتحكم بكل شيء حول البشر، دخلت التكنولوجيا في كل مجال، اقتحمت الدواء والتجميل والصحافة والعطور والنقل والسفر والأكل.. وصلت نيرانها الصديقة إلى كرة القدم، وتابع الجماهير كيف فعلت تقنية "فار" التي تعتمد على مشاهدة وإعادة الحالات الجدلية عبر تقنية الفيديو ليقود المباراة حكم داخل الملعب وأجهزة رصد وتتبع وعيون تشاهد في غرفة مكيفة خارج الملعب... كانت أخطاء الحكام كما يشاع من طبيعة وحلاوة ومتعة اللعبة وأجوائها المتسمة بالغرابة والإثارة والخروج عن المألوف... التكنولوجيا قادمة بكل قوة.. أصبحت أمراً واقعاً... دخلت الآن الملعب، فهل القضاء على الأخطاء التحكيمية أو الحد والتقليل منها سيؤدي إلى القضاء تدريجياً على جمال ومتعة اللعبة؟ التقنية قد تفقد كرة القدم خاصية المساواة بين كثيرين... هناك دول تملك الإمكانيات التي تجعلها تقدم وتستعين بأجهزة حديثة ومتطورة ودقيقة، وعلى الجانب الآخر قد لا تساعد الحالة الاقتصادية دول أخرى للدخول في ذات الإطار التقني ذاته... هنا ستتباين الوجوه ولا تعد كرة القدم تتساوى فيها الرؤوس. كرة القدم ليست ضد العلم، وليست ضد التقنية، وليست ضد الحداثة والتطور... إنها فقط ضد أي زيادة وإضافات تجعل حاضرها لا يشبه ماضيها.

الكتاب

كرة القدم لغير الناطقين بها

الناشر

دار مدارك

المؤلفان

د. راشد بن زومة صالح خليف

التصنيف

رياضة

الصفحات

237