هذه القصة من الواقع ومكررة، وقد لا يخلو بيت منها، أن تجد شابا ثلاثينيا تخرّج قبل أكثر من 10 أعوام بشهادة جامعية متوسطة، وما يشابهها من دبلوم السنتين بعد الثانوي من التخصصات غير الصحية. ولأن هذا الشاب سجّل في جدارة واحد، وجدارة اثنين، وثلاثة، ولأنه يعلم أن الوظيفة الحكومية حلم بعيد المنال، فيلجأ إلى القطاع الخاص، ولأن القطاع الخاص يهمه ألا يضيع من وقت هذا الشاب دقيقة واحدة دون أن يستفيد منها، تجد أن هذا الشاب تعلّم تعليما ذاتيا بالممارسة العملية، والتي هي أهم من النظرية بمراحل، ويفاجأ أنه خلال هذه الفترة التي أمضاها في القطاع الخاص، أصبح يتقن اللغة الإنجليزية بقواعدها وطريقة نطقها وكتابتها، ولذلك تجد أنه -وبسهولة- يحصد مستوى متقدما في اختبارات اللغة الإنجليزية مثل STEP وغيره، وهو لم يكن يصل إلى مستوى مبتدئ بعد خروجه من صفوف الدراسة العامة والجامعية. ولأن القطاع الخاص يهمه أن تكون موظفا شاملا، تجده ينقلك بين التخصصات المختلفة، فبعد أن أتقنت برامج الكمبيوتر المكتبية، تجده يستثمرك في الدعم الفني والشبكات لأجهزة الكمبيوتر خلال الحاجة، حتى وإن احتاج أن يربطك بجانب الأجنبي الذي سيسافر قريبا، ولا يريد أن يبقى مكانه شاغرا. ولأنك سعودي فبالتأكيد سيستثمر خبرتك في المجالات الإدارية والعلاقات العامة، ولا مانع لديه أن يجعلك محاسبا ومديرا ماليا، وغيرها، وبالتأكيد ستجد أنك على استعداد للحصول على مستوى عال في اختبارات الإنجليزية واختبارات الحاسب الآلي والبرمجيات والقدرة المعرفية «الذي يعد عقبة في طريق خريجي البكالوريوس المفتقدين للخبرة». وبعد أن تخطى هذا الشاب حاجز الثلاثين، ولأن غالب الخريجين أصبحوا يحملون البكالوريوس بدلا من الدبلوم، فتجد الشاب البالغ من العمر 23 عاما قد حصل على وظيفة حكومية ببساطة، رغم الفارق الكبير في قدرات خريج البكالوريوس هذا وخريج خبرات القطاع الخاص، ويكون الضحية بالتأكيد هم المراجعون لهذه الجهة الحكومية الذين تعطّلت أعمالهم وجلسوا ينتظرون موظف الدعم الفني ليحضر إلى مكتب خريج البكالوريوس هذا، ليقوم بتشغيل الطابعة التي تعطلت بسبب مستند معلق، ولا يعرف خريج الدراسة النظرية هذا طريقة إلغاء مهمة الطباعة، لأنه كان مسافرا عندما كان زملاؤه في هذا الدرس. أما صاحبنا، خريج خبرات القطاع الخاص، تجد أنه حضر هذا الدرس مرات عدة، وأصبح يستطيع تثبيت البرامج وإزالتها، وتعريف الطابعات، وتصليح أعطال الاستخدام وغيرها، لأنه كان في مكان يعاقب على كل دقيقة تأخير، ولا يجد ردا من المسؤول سوى كلمة «تصرف». وخلال طرح وظائف في جدارة، تجد أن هذا الشاب الثلاثيني لم يتم فتح خانة المفاضلة له من الأصل، لأن الوظائف كانت من المرتبة السادسة وأعلى، ولم يتم احتساب خبراته أو درجاته في الاختبارات العامة التي أجراها بعد التخرج. والعشرون نقطة غير القابلة للزيادة التي حصدها على أقدمية التخرج لم «تسقه من ماء». وما يزيد من قهره أنه لو تقدم على وظائف حكومية ولكنها عن طريق التوظيف المباشر من الجهة نفسها، فإنها ستحتسب له خبراته، وكأن الجهات الحكومية التي تريد البحث ذاتيا عن موظفين تهتم بأصحاب الخبرات والقدرات، ولكن جدارة تتجاهل ذلك، وتؤكد أن «شهادتك تهمنا أكثر منك». نظرة إلى السماء: أيها المسؤول الذي تصحو من سباتك لتغيّر قرارات وضعت بالأمس، تذكر أن هناك شبابا وصلوا إلى الـ35، ويحملون شهادات جامعية، وهم دون زواج أو حياة مستقرة. تذكّر ذلك في كل مرة تغير رأيك.