لم يحظ الأميركي جورج كوفال -خلال حياته التي امتدت أكثر من تسعين عاما- باهتمام يذكر، ولكن بعد وفاته ببضعة أشهر، وتحديداً في 2007، تم تكريمه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

هذا التكريم جاء -كما أعلن رسميا- نظير جهوده في تقديم معلومات أدت إلى تسريع حصول الاتحاد السوفييتي على القنبلة النووية!، وليسدل الستار عن سر الجاسوس ديلمر -الاسم الحركي لكوفال- والذي بقي غامضا أكثر من ستين عاما.

عمل جورج، والذي تم تجنيده سراً من الاستخبارات السوفييتية، في مشروع مانهاتن -المشروع النووي الأميركي- بين عامي 1941 و1946، فنيّا وكيميائيا، وأُعطي صلاحيات لدخول مواقع حساسة في هذا المشروع، الذي يعد الأكثر سرّية على مستوى العالم في ذلك الوقت، إذ قام هناك بالتجسس لمصلحة الاتحاد السوفييتي، وأرسل معلومات اختصرت عليهم الطريق للوصول إلى القنبلة النووية. وقد كانت التوقعات بأن يصل الروس إلى القنبلة في مدة لا تقل عن 8 سنوات، وبعض التقديرات وصلت إلى 20 سنة، ولكن المفاجأة كانت حصولهم عليها بعد 4 سنوات فقط من تفجير هيروشيما وناجازاكي، أي في 1949، وكانت أول قنبلة سوفييتية نسخة طبق الأصل من تلك التي ألقيت على ناجازاكي، والفضل يرجع في ذلك إلى قوة المخابرات السوفييتية، وتمكّنها من زرع عملاء داخل المشروع النووي الأميركي السرّي.

ولقد تم الكشف عن عدد من هؤلاء الجواسيس في وقت مبكر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، منهم الفيزيائي البريطاني من أصل ألماني كلاوس فيوكس، والعالم الشاب ثيودور هال، والمهندس ديفيد جرين جلاس، وغيرهم، وقد تمت إدانة بعضهم وإعدامهم، ولكن هناك أيضا جواسيس بقوا مخفيين، ولم تستطع المخابرات الأميركية أن تكتشفهم، ومنهم صاحبنا جورج كافال، ولو لم يتم تكريمه من بوتين، لما عُلم عن عمله المخابراتي حتى الآن.

وقد يكون انتقاله للعيش في روسيا بعد انتهاء مشروع مانهاتن مباشرة أسهم في تخفيه طوال هذه الفترة.

لم يكن هؤلاء الجواسيس يعلمون عن بعضهم بعضا، ولكن العامل المشترك بينهم هو العقيدة التي كانوا يؤمنون بها، وهي الشيوعية، فقد كانوا ينتمون إلى ذلك الحزب سواء فعليّا أم عاطفيا.

في سباق التسلح النووي، لا توجد قواعد تحكم اللعبة، ولكن يوجد مبدأ براجماتي ينص على أن الغاية تبرر الوسيلة، فكل الدول الأعضاء في النادي النووي أنتجت سلاحها النووي سرّاً، وبطرق «غير شريفة»، سواء بالتجسس أو السرقة، إضافة إلى المساعدات الخارجية. فالبرنامج النووي السوفييتي كان بالتجسس -كما ذكرنا- أما النووي الباكستاني فكان بالسرقة، إذ اُتُّهم الدكتور عبدالقدير خان بسرقة تفاصيل بناء المفاعلات وتخصيب اليورانيوم من أحد المنشآت النووية الهولندية، حين كان يعمل هناك.

كما أن بعض الدول ساعدت دولا أخرى للحصول على التقنية النووية، لأهداف معينة، ففرنسا ساعدت إسرائيل في بناء برنامجها النووي، وروسيا ساعدت الصين، والصين ساعدت باكستان، ولم توقع الدول النووية على معاهدة حظر انتشار السلاح النووي إلا بعد حصولها عليه، وبعضها لم يوقّع أساسا مثل الهند وإسرائيل وباكستان، والبعض انسحب مثل كوريا الشمالية.

يذكر أن المعاهدة لا تلزم الموقعين بالالتزام بها، إذ باستطاعة أي دولة الانسحاب -فقط يخبرهم قبلها بـ3 أشهر- ولكن التبعات السياسية لهذا الانسحاب قد تكون باهظة.

فالنصيحة المتأخرة جدا لمن لديه نية إنتاج سلاح نووي، بألا يوقع على معاهدة حظر انتشار السلاح النووي حتى ينجز مهمته.