ما إن يمسك الطبيب بشهادة التخرج، حتى تبدأ الاختبارت تلازمه طوال حياته، وما إن ينتقل من مستشفى إلى آخر، أو من درجة إلى أخرى، ويشتري ساندويتش فلافل في وقت البريك ويعود ليكمل عمله، إلا وقد أعد له اختبار (يصفي الماء من اللبن)، اختبار قاسي يليه اختبار أقسى.

معظم هذه الاختبارات إن لم يكن جميعها، هي للتأكد من مدى معرفته وقدرته العلمية والعملية في مجال عمله الطبي فقط، ولا تهتم بتحديد المهارات والسمات الشخصية لهذا الطبيب في التعاون والمبادرة لمساعدة الآخرين ومهارات التواصل الإنساني المجرد مع المريض وذويه، وكأن المريض سيشفى (واير لس) من مستوى الطبيب العلمي فقط، حتى وإن كان الطبيب يتعامل مع المريض بتجاهل ومحاولة اختصار المحادثة إلى أقصر مدة، والتحليل المسبق لسبب مجيء المريض، والعمل بمبدأ

(لو فتحت مجال للحديث معه ومع غيره ماراح نخلص).

المصيبة أن المسؤولين عن التدريب والتطوير في القطاعات الصحية غير مقتنعين أن هناك علاقة بين قلة تواصل الطبيب مع مرضاه، وبين عدم الدقة في التشخيص الدقيق للحالة، وغير مقتنعين بأن لذلك علاقة بتهجم المريض وذويه على الكادر الطبي، الذي لا يظهر منه إعلاميا إلا ما يقل عن ربع الربع، والمراجعون المستمرون للمستشفيات هم المعيار الحقيقي لهذا العدد، وليس القضايا المفتوحة التي يحل أغلبها قبل تسجيلها رسميا.

وإن قمت بالتدقيق في تعامل بعض الأطباء وخصوصا الذين يعملون في المستشفيات الصغيرة سواء العامة أو الخاصة، تجد أنه يحاول أن يغادر المريض من تحت مسؤوليته بأسرع طريقة ممكنة، فتجد بأنه قد رسم سيناريو مكرر للحالات التي تعرض عليه، وخصوصا في العيادات الخارجية، إذ تجد أن أغلب الوصفات المختومة بختمه، وكأنها منسوخة من بعضها، وعنها تقول إحدى المريضات (يقول لي الطبيب بعد مراجعتي له في العيادة (كل شيء تمام وليس فيك أي مرض)، وقام بكتابة وصفة طبية لي تحتوي على علاجين أو أكثر، فسألته إن لم يكن فيني مرض، فهذه الأدوية لماذا؟ وبالطبع لم يرد عليها كما اعتادت منه).

وإن كان هؤلاء الأطباء قد تفوقوا علميا في اختبارات جامعاتهم، واختبارات هيئة التخصصات الصحية وغيرها، فهل اجتازوا الاختبار الحقيقي الذي يتعرضون له يوميا من المريض وذويه، والذين هم مجبرين لا مخيرين عليه.

لذلك يجب وضع تقييم سواء كان إلكترونيا تلقائيا أو حتى شفهيا بين موظف قسم الجودة (الذي عمله تحسين خدمة المريض، وليس الاستعراض ببرامج وصور البور بوينت أثناء الزيارات الرسمية)، ويكون هذا التقييم أساسيا في شروط تجديد العقد الوظيفي للطبيب، كما فعل الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز العثمان مدير جامعة الملك سعود الأسبق عام 2008، حيث استطاع تحويل بعض أساتذة الجامعة من (متعجرف) إلى (متعاون ومتواضع وذو خلق طيب) لأن مصير تجديد عقد هذا الأستاذ الدكتور مرتبط بالتقييم النهائي لطلابه في نهاية كل فصل دراسي.

نظرة للسماء: الشعار القديم لوزارة الصحة سابقا (المعاملة الحسنة لا تحتاج إلى إمكانيات).