تم البدء في مشروع الرياض الخضراء، وبدأت فعليا توجهات الدولة نحو تحويل المملكة -بدءا بعاصمتها- إلى غابات وحدائق، وصولا إلى تحقيق هدف أن يوازي عدد الأشجار تعداد المواطنين، ويصبح لكل مواطن شجرة، أسوة بالعاصمة البريطانية «لندن»، وما دمنا متأملين أننا نخطو بثقة لنصل إلى مستوى لندن وغيرها، فللأسف قد تكون سرعة هذه الخطوات جعلت غالب أمانات المناطق تغفل عن نقطة بسيطة جدا، ونظرا لبساطتها فإنك لن تستطيع الاستمتاع بأي حديقة أو غابة ما دامت الأمانة أو البلدية المشرفة عليها غافلة عنها.

وهذه النقطة هي أن مستخدم هذه المسطحات الخضراء سيترك مخلفات وبقايا سفرته الطويلة مكان جلوسه، ويغادر المكان، وكأنه ذاهب لينتحر، لأن طريقة تركه لهذا المكان تظهر وكأنه متأكد من أنه لن يستخدمه مرة أخرى، وإلا لما تركه بهذا الشكل، حتى وإن كان واحد من كل مئة مستخدم يفعل هذا، فسيفسد المكان أمام التسعة والتسعين الباقين.

وقامت وزارة الشؤون البلدية والقروية بتوقيع عقود نظافة بمئات الملايين من الريالات، خلال السنوات القليلة الماضية، حرصا على أن هذا المنتحر، (ينتحر بكيفه) لكن لن تُترك مخلفاته خلفه، بل سيلتمُّ عليها 10 من عمال النظافة الذين تم إحضارهم من بلادهم لهذه المهمات الطارئة، ولكثرة تكرار هذه المهمة الطارئة فلم يعد عامل النظافة هذا يزيلها بشكل طارئ، بل يترك المكان بمخلفاته، لأنه يعلم أن المستخدم الآخر، سيقول في نفسه بعد الانتهاء من الجلوس المجاني «ما دام أنه متسخ من قبلي فلماذا أتعب نفسي بتنظيف مخلفاتي؟، عيب علينا نترك مخلفات فلان بدون ونيس أو جليس».

السؤال هنا: إلى متى والوزارة مقتنعة أن إنفاق ملايين الريالات على عقود النظافة، هو أقل توفيرا على خزينة الدولة من توظيف رجال أمن «سكيورتي» بوظائف حكومية «وليس سكيورتي يعمل دون وظيفة وبنظام الساعة ويخاف ويتمصلح حتى للقط الذي يأكل مخلفات الـ»منتحر«، لأنه يعلم أن أمان وظيفته الوهمية قد ينتهي بمجرد مكالمة جوال، ويحضرون سكيورتي بديلا له خلال ساعة»، ويكون هذا الحارس الحكومي لديه صلاحيات مماثلة لصلاحيات عسكري المرور -على سبيل المثال- بالتقاط الصور، وإثبات المخالفات وتقييدها على السجل المدني للمخالف أو لوحة سيارته أو غيرها.

ولو كان لكل حديقة صغيرة حارس أمن حكومي واحد لكفاها، ولا مانع أن يرافقه عامل نظافة واحد بدلا من 10، وبلا حلول جذرية للمشكلة، ومع انتشار هيبة النظام الرقمي لتقييد مخالفات مرتادي المسطحات الخضراء، سنعلم أن «سكيورتي واحد عن 10 عمال نظافة».

نظرة إلى السماء: لن تستطيع رؤية نظافة جوهر شخص ما، ولكن نظافة مظهره المتمثل في محافظته على عدم إيذاء الآخرين بمخلفاته، ينبئك بما خفي عنك منه.