مما يثير العتب المقاطع التي تصل جوالك تريد ربما إظهار الدولة بشكل متناقض في مواقفها من (الصحوة) ما بين الثمانينات والآن، وسبب هذا العتب هو أن من يريد صناعة هذا التناقض لا يدرك معنى (دولة)، فالدولة لها (حق احتكار القوة)، وبغير هذا الاحتكار لا تسمى دولة، وأي فئة داخل الدولة تشاركها هذا الاحتكار لصالح أجندتها فهي دويلة داخل الدولة، وهذه الديباجة البسيطة في تعريف الدولة كمحتكر للقوة، تعتبر أساسا ينقض كل ما يحاك ضد دفاع الدولة عن الصحوة في فترة تواجه فيه هجوم الحركات الشيوعية والقومية من كل حدب وصوب، فللدولة في تلك الفترة الاستعانة بما شاءت من أفكار وتوجهات لحماية الكيان الذي وفر الحياة الكريمة لكل من حمل جنسية هذا الوطن، ولا يعني هذا أن قرارات الدول دائما، وحي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فحتى بريطانيا العتيقة تهاونت في قراراتها ضد بدايات الحزب النازي وطموحاته في التوسع، مما كلفها مئات الألوف من القتلى، وتهاونت أميركا مع الشيوعيين حتى اضطرت للمحاكمات ولو على يد مكارثي.

ما دور المثقف إن لم يكن توعية شعبه لمعنى (الدولة)؟ فالدولة لها حق استخدام أي شيء لحماية كيانها، والدولة لا تكون دولة دون ثلاثة أركان (جغرافيا، شعب، قيادة سياسية معترف بها دوليا)، ويجب على كل مواطن أن يفهم الصحوة التي أرادتها الدولة لحماية نفسها وأبنائها، والصحوة التي أراد استثمارها الإخوان المسلمون لتقويض الدولة وتشريد شعبها.

المثقف يقف مع الدولة دائما، لكنه قد يقف ضد الحكومة ليظهر صوته عبر الصحافة والإعلام أو عبر جلسات مجلس الشورى ملتزما بأدب الاختلاف وتقاليد الاحترام، ولا يغتر الشباب المبتعث بنعوم تشومسكي كناقد عنيف للسياسة الخارجية الأميركية والهيمنة الغربية وما تقوم به من انتهاكات لحقوق الإنسان، فهو (العالم الذي يعمل في خدمة الأبحاث العسكرية للجيش الأميركي، وهو الناشط السياسي المعادي للهيمنة الأميركية) راجع كتاب كريس نايت (تفكيك تشومسكي).

المثقف يقترح خارطة طريق لنهضة دولته، ولهذا من حق كل المواطنين السعوديين أن يبحثوا عن مزيد من الحرية والعدل والمساواة عبر النظام الأساسي للحكم، وهذا في طبيعة الدولة دون عناء، فالحريات قبل نصف قرن ليست هي في هذا الزمن، واستمرار ديالكتيك الدولة نحو التطور لقرون دون انقطاع يعتبر امتدادا للحضارة الإنسانية في جزيرة العرب بكل دولها، وليس دولتنا فقط.

أخيرا من حق الدولة أن تحمي نفسها، ومن يضع السروريين والإخوان المسلمين كمقابل موضوعي للدولة فهو جاهل بالسياسة ومعنى العلاقات الدولية، فمن حق السعودية كدولة أن تعادي مصر في خمسينات القرن الماضي، وتحالف مصر ما بعد ذلك، من حق السعودية كدولة أن تعادي إيران تصدير الثورة ومد النفوذ داخل الجسد العربي، ومن حقها أيضا كدولة أن تحالف إيران إذا استوعبت معنى احترام الجوار والتعاون الإسلامي، من حق السعودية كدولة أن تقطع البترول عن أميركا في أوائل السبعينات من القرن الماضي، ومن حق السعودية كدولة أن تعقد الصفقات المليارية مع أميركا الوقت الحالي.

الدولة ليست فردا، فالأفراد ليس لهم حق قتل شخص واحد، وللدولة حق شن حرب بالطائرات والدبابات والمدافع، فمن الأحمق الذي يقيس حقوق الدولة بحقوق الأفراد، ومن الحماقة وضع الشريعة التي تطبق على الأفراد مسطرة لقياس شريعة الدولة، فالدولة لا تصلي ولا تصوم، الدولة كيان اعتباري يجوز له ما لا يجوز للأفراد، ومن يقارن بين أفعال الفرد المسلم وأفعال الدولة كي يستخرج مدى تدين الدولة وإسلاميتها من عدمه، فليس إلا جاهلا بمعنى الدولة الحديث، وجاهلا بمعنى العلاقات الدولية، وجاهلا بمعنى الكيانات الاعتبارية في العصر الحديث، لا يوجد مقياس لتدين أي دولة في العالم، والمقياس الوحيد العابر للأديان والحضارات هو (العدل) الذي تستطيعه دولة (مواطنوها غير مسلمين)، وقد تعجز عنه دولة (مواطنوها مسلمون)، ولهذا ينسب لبعض العلماء الأقدمين قوله: (ينصر الله الدولة الكافرة العادلة على الدولة المسلمة الظالمة).

عزيزي المواطن اخرج من ربقة الدروس الإخوانية التي تحيد بك عن منطق الدولة بالمعنى الحديث، فالمسلم من أبناء موسكو تجده جنديا في القوات الروسية كمواطن روسي، والمسلم من ضواحي باريس تجده جنديا في الجيش الفرنسي كمواطن فرنسي، فكيف بأكثر من 5 آلاف مسلم أميركي يعملون كجنود في الجيش الأميركي، هل أفقت عزيزي المواطن على معنى الدولة في هذا العصر؟ أم ما زلت تعيش وهم الخلافة والحاكمية التي عجزت عن إخراجها من تلافيف التربية الإخوانية لك في زمن الصحوة، فما يفهمه غازي القصيبي من كلمة الصحوة عندما يتحدث عنها مادحا، غير ما يفهمه ويريده الإخوان والسرورية منها، فلماذا المغالطة وخلط الأوراق بحثا عن مخرج سوء جديد.