نشرت مجلة باريس ريفيو جملة من الحوارات مع مجموعة من الروائيين والكتاب العظام، وهو ما يرصده أحمد شافعي في ترجمة لهذه الحوارات في كتابه الذي حمل عنوان «بيت حافل بالمجانين / زيارة ثانية» الصادر عن دار مدارك للنشر، واضعاً يده على مواطن الحكمة والفلسفة التي يمتلكها هؤلاء الروائيون، وهم وليم فوكنر، وسيمون دي بوفوار، وفلاديمير نابوكوف، وجون شتاينبك، وماريو فارجاس يوسا، وأليس مونرو، وخوسيه ساراماجو، وهاروكي موراكامي.

وكان شافعي قد رصد من قبل مجموعة من الحوارات التي أجرتها المجلة مع كتاب كبار، وترجمها بكتاب سابق، لذا وضع عبارة «زيارة ثانية» ليفرق بين الكتابين.

مبررات

يبرر شافعي تصديه لمهمة ترجمة تلك الحوارات، فيقول «لا يكاد أحد يشكو اليوم من مشقة العثور على كتاب أو مجلة أو مقال، فكل ذلك متاح إلى حد الابتذال. ولا يكاد يوجد بين قراء اليوم من لا يمتلك عبر جهاز الكمبيوتر الخاص به مكتبة ندر مثيلها لدى قارئ من الجيل السابق مباشرة على جيلنا هذا. ووسط هذه الوفرة الباذخة يكاد كل شيء أن يتساوى بكل شيء. ولا يكاد يوجد من يغربل ويميز بين الطيب والخبيث. لكل كتاب مكان، ولكل كتاب نصيب من الثناء. لا يكاد يوجد كاتب اليوم إلا وله رصيد من الجوائز والمفاخر يعمي بها أعين القراء. ووسط كل ذلك ما من دليل تقريباً للقارئ يأخذ بيده ويرشده ويضع له وسط هذا المستنقع الصخرة تلو الصخرة، أو الكتاب تلو الكتاب، فيخطو خطوة بعد خطوة آمناً من الزلل والغرق.

وسط هذه الوفرة المعجزة، يحار القارئ بأي شيء يبدأ، وينتهي أغلبنا إلى التنقل السريع من كتاب إلى كتاب، ومن موقع إلى موقع، فلا يكاد ينال من كل هذا الثراء نصيبا، إلا القراءة المضطربة التي لا تبلغ عمقاً من نص ولا تلم به فتشمله.

كلنا الآن ـ إلا من رحم ربي ـ غارق في بحر المعرفة لكنه غرق الموتى لا الغواصين.

وكقارئ، كانت حوارات باريس ريفيو ولا تزال تفتح لي باباً إلى زمان آخر.

كانت قراءة هذه الحوارات ولا تزال تحقق لي جملة أهداف مجتمعة. أوضحها هو التعرف على التطور الذي مرَّ به هذا الكاتب أو ذاك من رواية إلى أخرى ومن كتاب إلى آخر. ولكن منها أيضاً، ولا يقل أهمية، الائتناس بكاتب، مجرد الائتناس، بعقل من عقول الإنسانية النادرة، بتجربة شخص رصد العالم في الفترة التي قضاها فيه، وأحال رصده هذا فناً.

لقد سبق أن أصدرت قبل أعوام قليلة كتاباً بعنوان «بيت حافل بالمجانين» ضممت في ذلك الكتاب ترجماتي لحوارات باريس ريفيو مع همنجواي وهنري ميلر وبورخس وكارلوس فوينتس وكونديرا ونجيب محفوظ وسوزان سونتاج وبول أوستر وأمبرتو إكو.

كلمة أخيرة

حرصت باريس رفيو منذ نشأتها في خمسينيات القرن العشرين على أن تظفر من كل كاتب ذي شأن بكلمته الأخيرة، الجامعة، مسجلة إياها في حوار مطول يكاد في حالاته المثلى ألا يغفل أي شيء. ربما تكون المجلة قد أجرت حوارات مع أمثال هاروكي موراكامي وستيفن كينج وأورسولا لوجوين وغيرهم من كتاب الأدب الجماهيري، لكن اهتمامها الأكبر، وحرصها الأوضح، هو محاورة نخبة كتاب الأدب الرفيع. ونتيجة ذلك أن بات لكل قارئ راغب في الإلمام بخير ما أنتجه العقل الإنساني على مدار قرابة العقود السبعة الأخيرة مكان واضح يمكن أن يقصده.

لقد تخيل ميلان كونديرا ـ في روايته «الخلود» ـ العالم الآخر مكاناً يسمح بلقاء بين جوته وهمنجواي. غير أن الأمر لا يستوجب انتظار العالم الآخر. فهنا، هنا في أرشيف باريس رفيو الذي أطمح في نقل بعض منه إلى اللغة العربية، يلتقي همنجواي وشتاينبك، وبورخيس وإكو، ونجيب محفوظ وفوكنر، وسيمون دي بوفوار وسوزان سونتاج. بل هنا يمكن الترتيب للقاءات لا تنتهي، فهنا ينشئ القارئ عالمه الآخر، أو مقهاه الذي ينتقي رواده كيفما يشاء، ويجلس، متسمعاً لرأي فوكنر في همنجواي، أو رأي بورخس في إليوت، أو رأي دي بوفوار في الرواية الفرنسية الجديدة، وآرائهم جميعاً في أنفسهم.

ماريو فارجاس يوسا

أنا كاتب من القرن التاسع عشر


أنت كاتب معروف وأعمالك مألوفة لدى قرائك، هل تقول لنا ماذا تقرأ؟

حدث في السنوات الأخيرة أمر غريب. لاحظت أن قراءتي للمعاصرين تقل وتقل وتزداد وتزداد لكتاب الماضي. أقرأ من القرن الـ19 أكثر مما أقرأ من القرن الـ20. في هذه الأيام أميل بقدر قد يكون أقل إلى الأعمال الأدبية من ميلي إلى قراءة المقالات والتاريخ. لم أفكر كثيراً في سبب قراءتي لما أقرأ.. في بعض الأحيان تكون الأسباب مهنية.

ولكن من بين معاصريك الذين تقرأ لهم فعلاً، من الذي تكن له إعجاباً خاصاً؟

حينما كنت شاباً، كنت قارئاً شغوفاً بسارتر. قرأت الروائيين الأميركيين، لا سيما كتّاب الجيل الضائع فوكنر وهمنجواي وفيتزجيرالد ودوس باسوس وفوكنر بصفة خاصة. من الكتاب الذين قرأتهم في شبابي، هو الوحيد من القلة التي لم تزل تعني لي الكثير. لا أشعر بالإحباط مطلقاً حينما أعيد قراءته، وهو ما يحدث لي أحياناً مع همنجواي مثلاً. كما لا أحسب أنني أعيد قراءة سارتر في هذه الأيام. بالمقارنة مع كل ما قرأته منذ ذلك الحين، يبدو أدبه بالياً فاقداً الكثير من قيمته. فوكنر كان أول كاتب أقرأ له وفي يدي قلم وورقة، لأن تكنيكه أذهلني. وكان أول روائي أحاول واعياً أن أعيد بناءه بالسعي إلى تعقب ترتيب الزمن عنده مثلاً، والتقاطع بين الزمان والمكان، وانقطاعات السرد، والقدرة التي يمتلكها على حكي قصة من زوايا نظر مختلفة لخلق نوع معين من الغموض، وإضفاء مزيد من العمق. وعن الأدب الأميركي اللاتيني، من الغريب أنني لم أكتشفه حقاً إلى أن عشت في أوروبا وبدأت أقرأه بحماسة عظيمة. كان علي أن أدرسه في جامعة لندن، وكانت تجربة مثرية للغاية لأنها أرغمتني على التفكير في أدب أميركا اللاتينية ككل واحد. وابتداء منذ ذلك الحين، قرأت بورخيس الذي كنت أعرفه إلى حد ما، وكاربنتيير، وكورتاثار، وجيماريس روسا، وليثاما ليما، وذلك الجيل كله باستثناء جارسيا ماركيز. فقد اكتشفته متأخراً.

عادات

هل يمكن أن تحكي لنا عن عاداتك الكتابية؟ كيف تعمل؟ كيف تنشأ الرواية لديك؟

بداية، هي حلم يقظة، نوع من التأمل في شخص، أو موقف، أو شيء لا يحدث إلا في العقل. ثم أبدأ في تدوين الملاحظات، وملخصات لتتابعات سردية: شخص ما يدخل المشهد هنا، ويخرج هناك، يفعل هذا، يفعل ذاك. حينما أبدأ في العمل على الرواية نفسها، أرسم مخططاً عاماً للحبكة، لا أتشبث به مطلقاً، بل أغيره تماماً مع تقدمي في العمل، لكنه يتيح لي أن أبدأ. ثم أبدأ في وضع ذلك كله جنباً إلى جنب، دون أدنى انشغال مسبق بالأسلوب، أكتب المشاهد نفسها وأعيد كتابتها، مؤلفاً مواقف كاملة التناقض. المادة الخام تساعدني، تطمئنني. لكنني لا أواجه أصعب الأوقات إلا في مرحلة الكتابة. حينما أكون في تلك المرحلة، أتقدم بمنتهى الحذر، غير واثق دائماً من النتيجة. تكتب النسخة الأولى في حالة من القلق الحقيقي. ثم لا أكاد أنتهي من تلك المسودة، التي قد تستغرق في بعض الأحيان وقتاً طويلاً (ففي حالة «حرب نهاية العالم» مثلاً استغرقت المرحلة الأولى قرابة سنتين) حتى يتغير كل شيء. أعرف حينئذ أن القصة موجودة، مدفونة فيما أسميه مصهري. تكون الفوضى تامة لكن الرواية موجودة، تائهة في فوضى عناصر ميتة، ومشاهد زائدة سوف تختفي أو مشاهد تتكرر مرات عديدة من زوايا نظر مختلفة. تكون الفوضى عارمة ولا معنى لها إلا عندي. ولكن القصة تولد تحت ذلك. وعلي أن أفصلها عما عداها، وأنظفها، وهذا هو الجزء الأكثر إمتاعاً في العمل. ابتداء من ذلك الحين أستطيع أن أعمل لساعات أطول كثيراً دون القلق والتوتر اللذين يصاحبان كتابة تلك المسودة الأولى. أعتقد أن ما أحبه ليس الكتابة، بل إعادة الكتابة، والتحرير، والتصحيح... أعتقد أن هذا هو الجزء الأكثر إبداعاً في الكتابة. لا أعرف مطلقاً متى سوف أنتهي من قصة. فرب قصة أظن أن لن تستغرق غير بضعة شهور فتستغرق في بعض الأحيان سنوات عدة كي تنتهي. ورب رواية تنتهي بالنسبة لي ثم أشعر أنني لو لم أنهها بسرعة فسوف يكون ذلك خيراً لي. حينما أصل إلى التشبع، حينما أشعر بالاكتفاء، حين لا يعود بوسعي أن أمضي بها إلى أبعد مما مضيت، حينئذ تكون القصة منتهية.

رسم

بلغ الأمر من بدرو نافا ـ كاتب السير ـ حد رسم شخصياته، الوجه والشعر والثياب. هل تفعل مثل ذلك إطلاقاً؟

لا، لكنني في حالات محددة، أكتب صفحات سيرية. يعتمد هذا على طريقة إحساسي بالشخصية. فبرغم أن الشخصيات تظهر لي في بعض الأحيان ظهوراً بصرياً، فإنني أيضاً أعرفها بطريقتها في التعبير عن أنفسها أو في علاقتها بالوقائع المحيطة بها. لكن يحدث طبعاً أن تتحدد شخصية بسماتها الفيزيقية يكون لزاماً عليّ أن أضعها على الورق. لكن رغم جميع الملاحظات التي يمكن تدوينها استعداداً لرواية، أعتقد أن المهم في نهاية المطاف هو ما تنتقيه الذاكرة. ما يبقى هو الأهم. لذلك لم أصطحب قط كاميرا معي في رحلاتي البحثية.

منفى

كتب كثير من أعمالك خارج بيرو، فيما قد أطلق عليه المنفى الاختياري. ولقد قلت مرة إن كتابة فكتور هوجو من داخل بلده أسهمت في عظمة رواية كـ»البؤساء». لكن وجودك بعيداً عن «دُوار الواقع» هو بطريقة ما ميزة لإعادة بناء ذلك الواقع. هل ترى الواقع مصدراً لـ»الدوار»؟

نعم، بمعنى أنني لم أستطع قط أن أكتب عن القريب مني. القرب يستولي علي فلا يسمح لي بالعمل بحرية. من المهم جداً أن أقدر على العمل بقدر من الحرية يسمح لي بتحويل الواقع، بتغيير الناس، بحملهم على التصرف بصورة مختلفة، أو إدخال عنصر جديد على السردية، شيء يكون اعتباطياً تماماً. هذا أمر جوهري إلى أقصى حد. هذا هو الإبداع. ولو أن الواقع أمام عينيك، يبدو لي أنه يتحول إلى قيد. أنا بحاجة دائماً إلى مسافة محددة، زمنية، أو بتعبير أفضل، زمنية ومكانية. والمنفى بهذا المعنى كان مفيداً للغاية. فبسببه اكتشفت الانضباط. اكتشفت أن الكتابة عمل، وأنها في المقام الأكبر إلزام. كان البعد مفيداً لأنني أؤمن أن للنوستالجيا أهمية عظيمة للكاتب. بصفة عامة، غياب الموضوع يخصب الذاكرة. فمثلاً، بيرو في «المنزل الأخضر» ليست مجرد تصوير للواقع، لكنها موضوع نوستالجيا لرجل محروم منها ويشعر برغبة مؤلمة فيها. في الوقت نفسه أعتقد أن البعد يوجد منظوراً مفيداً. فهو يقطر الواقع الذي يعقد الأمور بما يسبب لنا الدوار. يكون من الصعب للغاية الانتقاء أو التفرقة بين ما هو مهم وما هو ثانوي. البعد يجعل هذه التفرقة ممكنة. إذ يقيم الهيراركية اللازمة بين الجوهري والزائل.

شغف

في مقالة نشرتها قبل سنوات قليلة، كتبت أن الأدب شغف؟

يمكنك القول إن الكتابة ضرورة أما الحياة فغير ضرورية، ربما يجب أن أحكي لك شيئاً عني، بحيث يفهمني الناس أفضل. لقد كان الأدب مهماً لي منذ أن كنت طفلاً. لكن رغم أنني كنت أقرأ وأكتب كثيراً في أثناء سنوات دراستي، لم أتخيل قط أن يأتي يوم أكرس فيه نفسي للأدب، إذ بدا الأمر في ذلك الوقت رفاهية لا يحتملها رجل من أميركا اللاتينية، ومن بيرو بالذات. كنت أسعى إلى أشياء أخرى: كنت أخطط لدراسة القانون، لأكون أستاذاً جامعياً أو صحفياً. كنت قد قبلت أن ما هو جوهري بالنسبة لي سوف يزاح إلى الخلفية. فلما وصلت إلى أوروبا بمنحة حصلت عليها بعد إنهاء دراستي الجامعية، أدركت أنني لو واصلت التفكير بتلك الطريقة، لن أصبح كاتباً أبداً، وأن السبيل الوحيد هو أن أقرر رسمياً أن الأدب لن يكون شاغلي الرئيس، بل هو شغلي. قررت آنذاك أن أكرس نفسي بالكلية للأدب. ولما لم يكن بوسعي أن أعول نفسي معتمداً عليه، فقد قررت أن أبحث عن وظائف تترك لي وقتاً للكتابة ولا تتصدر أولوياتي على الإطلاق. بعبارة أخرى، أختار الوظائف في ضوء عملي ككاتب. أعتقد أن القرار شكل نقطة تحول في حياتي إذ توافرت لي اعتباراً من ذلك الحين قوة للكتابة. لذلك يبدو الأدب بالنسبة لي شغفاً أكثر مما يبدو مهنة. من الواضح أنه مهنة لأنني أكسب منه عيشي. لكن حتى لو لم أكن أعول نفسي من خلاله، لاستمررت في الكتابة. الأدب أكبر من سبب من أسباب العيش. أعتقد أن اختيار الكاتب أن يهب نفسه كلها لعمله، ويجعل كل ما عدا الأدب في خدمة الأدب بدلاً من أن يخضعه هو لاعتبارات أخرى هو قرار مطلق الأهمية.

من يختار

هل تختار مواضيع كتبك أم هي التي تختارك؟

في حدود ما يعنيني، أعتقد أن الموضوع هو الذي يختار الكاتب. ينتابني دائماً الشعور بأن قصصاً معينة فرضت نفسها علي، فلم أستطع أن أتجاهلها، لأنها كانت تتعلق على نحو مبهم بنوع من التجارب الأساسية ـ ولا أستطيع بالفعل أن أقول كيف. لا يبدو لي مطلقاً أنني أقرر منطقياً وبدم بارد أن أكتب قصة. بل على العكس، ثمة أحداث معينة أو أشخاص محددون، وفي بعض الأحيان أحلام أو قراءات، تفرض نفسها فجأة وتطالب بالانتباه إليها. ولذلك فإنني أتكلم كثيراً عن أهمية العناصر غير العقلانية الصرفة في الإبداع الأدبي. في رأيي أن هذه اللاعقلانية لا بد أن تمر إلى القارئ. فأنا أحب أن تقرأ رواياتي على النحو الذي أقرأ به الروايات التي أحبها. الروايات الأكثر فتنة لي هي الروايات التي تصل إليّ لا من خلال قنوات العقل أو المنطق بقدر ما تفعل ذلك من خلال السحر. هذه هي القصص القادرة على إبطال ملكاتي النقدية تماماً بحيث تجعلني مجرد قارئ مترقب.

طرافة

ماذا حدث للطرافة في رواياتك؟ رواياتك الأحدث تبدو بعيدة عن طرافة «الخالة جوليا وكاتب السيناريو». هل يصعب عليك أن تخلق الطرافة اليوم؟

لم يخطر لي قط أن أسأل نفسي إن كنت اليوم سوف أكتب كتاباً طريفاً أم جاداً. كل ما في الأمر أن مواضيع الكتب التي كتبتها في السنوات القليلة الماضية لم تسمح بعنصر الطرافة. لا أعتقد أن «حرب نهاية العالم» أو «حياة أليخاندرو مايتا الحقيقية» أو المسرحيات التي كتبتها تقوم على ثيمات يمكن التعامل معها بطرافة. وماذا عن «في مديح زوجة الأب» فيها وفرة من الطرافة، أم ماذا؟

لقد كانت لدي «حساسية» من الطرافة لظني ـ من فرط سذاجتي ـ أن الأدب الجاد لا يبتسم مطلقاً، وأن الطرافة قد تكون بالغة الخطورة لو أنني أردت أن أطرح في رواياتي مشكلات اجتماعية أو سياسية أو ثقافية جادة. فكرت أنها قد تجعل قصصي تبدو سطحية وتعطي قارئي الانطباع بأنها لا تعدو أسباباً للتسلية. ولذلك نبذت قديماً الطرافة، ربما بتأثير من سارتر الذي كان يعادي الطرافة دائماً، في كتابته على الأقل. لكنني ذات يوم اكتشفت أنه من أجل أن تحدث تجربة حياتية معينة تأثيراً في الأدب، قد تكون الطرافة أداة ثمينة للغاية. ومنذ ذلك الحين، صرت شديد الوعي بالطرافة باعتبارها كنزاً عظيماً، عنصراً أساسياً في الحياة ومن ثم في الأدب.