تستهلك المملكة ثلث ناتجها من النفط محليا لتوليد الطاقة، ويتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى أن تصبح المملكة غير قادرة على سد حاجتها من النفط، مما يضطرها لاستيراده بحلول 2038 حسب معهد تشاتام هاوس البريطاني.

أحد الحلول المطروحة لتفادي المشكلة استخدام الطاقة النووية، فبدأت المملكة خطوات نحوها، أنشأت مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، وهيئة الرقابة النووية والإشعاعية، ودخلت في مفاوضات لبناء 16 مفاعلا نوويا خلال الـ25 سنة المقبلة، مما يعني إنفاق أكثر من 100 مليار دولار. تشغيل هذه المفاعلات يحتاج إلى وقود، ليس أحفوريا وإنما نووي، فالحاجة ليست بناء المفاعل فقط وإنما تصنيع وقوده أيضا.

الدورة النووية تبدأ من منجم اليورانيوم، إذ يستخرج اليورانيوم الخام ثم يُنقى، في هذه الحالة يسمى الكعكة الصفراء «بسبب لونه الأصفر»، ومنها يحوَّل إلى غاز، وهذا الغاز يحقن في أجهزة الطرد المركزي لتتم عملية التخصيب، ومن اليورانيوم المخصب يُصنع الوقود النووي الذي يستهلكه المفاعل.

المملكة حاليا ترغب في الحصول على هذه التقنية وبناء مفاعلين نوويين من الولايات المتحدة الأميركية، خصوصا أن الدراسات الأولية أظهرت وجود احتياطات من اليورانيوم في مناطق مختلفة من المملكة، لكن القانون الأميركي يشترط الموافقة على اتفاقية 123، وهذا شرط لكل من يرغب في الحصول على التقنية النووية الأميركية، لضمان عدم استخدامها عسكريا.

نقطة الخلاف مع المملكة تتركز في بند تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة البلوتونيوم. حسب الاتفاقية يجب الحصول على موافقة الكونجرس، والسبب في ذلك أن التخصيب لا يفرق بين الاستخدام العسكري والسلمي، فيمكن استخدامه للغرضين، وهذا ما يخيف بعض النواب في الكونجرس الأميركي، من أن المملكة قد تستغل التخصيب لإنتاج قنبلة نووية.

من هنا، جاء تشجيع المملكة لتحذو حذو الإمارات بالتخلي عن حق التخصيب، والموافقة على ما يعرف بالشرط الذهبي Golden Standard، والذي سيحرم المملكة من صنع وقودها النووي، أي أنها ستعتمد على دول خارجية لإمداد محطاتها النووية بالوقود، مما قد تكون له تأثيرات إستراتيجية في المستقبل، ويجعل الطاقة النووية في المملكة تحت رحمة المورد الخارجي. ولكن ما يناسب الإمارات ليس بالضرورة يناسب دولا أخرى.

المملكة ملتزمة بكل الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمنع انتشار الأسلحة النووية والأمن النووي، صرح بذلك وزير الطاقة المهندس خالد الفالح في أكثر من مناسبة. فالمملكة عضو في معاهدة حظر انتشار السلاح النووي منذ 1988، والمعاهدة تتيح للدول غير النووية عمليات التخصيب، ومعالجة الوقود المستنفد لإنتاج الوقود النووي، في ظل برنامج الضمانات التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا ما تمسكت به إيران، وحصلت عليه كحق من حقوقها، ووافقت عليه مجموعة 5+1، أو ما يعرف بالاتفاق النووي، وهو الحق الذي تطالب به المملكة كذلك. فلماذا يُمنح لإيران ويمنع عن المملكة؟

كما أن هناك دولا أخرى سمحت لها أميركا بالتخصيب في ظل اتفاقية 123، مثل فيتنام التي وقّعت الاتفاقية دون الشرط الذهبي، أي مع الاحتفاظ بحق التخصيب.

تشدُّد الكونجرس الأميركي في الشرط الذهبي يقابله صمود سعودي في التمسك بحق التخصيب، هذا التشدد قد يصرف المملكة عن السوق الأميركي لتتجه إلى أسواق أخرى. جاء ذلك على لسان الأمير تركي الفيصل، إذ قال إن السوق مفتوح وأميركا ليست الدولة الوحيدة التي تبيع هذه التقنية.

وهذا ما لا ترغب فيه الإدارة الأميركية ولا الشركات النووية، التي تدفع بالاتفاق مع المملكة، حتى أن أحد رؤساء هذه الشركات أطلق عليه اسم «صفقة العقد»، فأقطاب الصناعة النووية الأميركية مثل وستنجهاوس، وجنرال إلكتريك، تعاني من كساد سوق الصناعة النووية، وذلك بسبب تشبع السوق المحلي الأميركي من جهة، نظرا لعدد المفاعلات المحدود، و تشدد الكونجرس في تصدير التقنية النووية إلى الدول الخارجية من جهة أخرى، مما أتاح الفرصة للشركات المنافسة الروسية والصينية في الازدهار. قد ينظر البعض في الكونجرس إلى رفض المملكة التخلي عن التخصيب إشارة إلى احتمال استخدامه عسكريا، مستندين بذلك إلى التصريحات الرسمية التي تؤكد أن المملكة ستسعى في الحصول على السلاح النووي في حال حصلت عليه إيران.

وفي كل الأحوال، التصريح بنية امتلاك القنبلة النووية قد لا يخدم الدول غير النووية، فعندما صرّح الشاه بنيته امتلاك سلاح نووي في أحد اللقاءات، عاد ونفاه هو ووزير خارجيته، حتى بعد خلعه بالثورة الإيرانية، واستلام الخميني زمام الأمر، أفتى هو الآخر بحرمة استخدام السلاح النووي وتطويره، وكذلك فعل خليفته من بعده علي خامنئي، وفي الآخر امتلكوا تقنية التخصيب. فالعالم لن يتحمل نشوء دولة نووية جديدة، حتى إسرائيل التي يعلم الكل ببرنامجها النووي، وتقدمها التكنولوجي، وقدرتها الصناعية، لم تصرح!.

كما أن هناك -أيضا- دراسات أكاديمية تحث على عدم منح الدول في بيئة غير مستقرة -كالشرق الأوسط- تقنيات التخصيب، خوفا من أن تقع في أيدي إرهابيين، أو أن تدخل المنطقة في سباق تسلح، خصوصا مع مصر وتركيا.

لطالما نادت المملكة بشرق أوسط خال من الأسلحة النووية، كما أنها ملتزمة بكل الاتفاقيات الدولية التي تمنع انتشار هذه الأسلحة، ولها الحق في أن تخصب اليورانيوم، وأن تنتج وقودها النووي لأغراض سلمية. فما الخطر في أن تمتلك المملكة تقنية تمتلكها أكثر من 30 دولة؟!