كشف تقرير لمعهد "بروكينجز" الأميركي للأبحاث والدراسات، أن مصطلح "الجغرافيا الاقتصادية" كان من الصعب الحديث عنها، خلال الأزمة المالية العالمية الأخيرة، كان بسبب صعوبة إقناع الناس بالتفكير حول التحولات بعيدة المدى وسط الأزمة، وعلى عكس ذلك، فإن عام 2019 قد يكون أفضل عام للحديث عنها. وأوضح التقرير أن جغرافيا العالم الاقتصادية تتغير بطريقة مقلقة، وذلك لعدد من العوامل يأتي في مقدمتها أن التجارة في تراجع، والتدفقات العالمية لرأس مال قد تراجعت، لتصبح نسبة بسيطة مما كانت عليه قبل 10 سنوات.

تحول الهند الجنوبي المفاجئ

لفت التقرير إلى أنه سيتطلب على الهند أن تزيد نمو إجمالي الناتج المحلي بحوالي 6% بشكل مستمر خلال 25 سنة، حتى تتمكن من تحقيق دخل الفرد بالصين. وأكد أن الهند لن تصبح قادرة على القيام بذلك بدون الدمج الكامل في الأسواق العالمية، وعبر دمج الأسواق المحلية، ومع قيام الهند بذلك، فإن جغرافيتها الاقتصادية تتغير في صالح المدن الجنوبية، وهذا الأمر ليس مثيرا للدهشة، فقد تفوق الجنوب في تقديم الخدمات الأساسية وبناء البنية التحتية، وتجديد الصناعة، وتمكين النساء وتعليم الفتيات. وتشير توقعات نمو إجمالي الناتج المحلي، خلال العقد القادم إلى إعادة تسريع النشاط نحو الجنوب، بينما سيظل الشمال قابعا تحت معضلة حقيقية هي "التلوث". وأشار التقرير إلى أن الهند قد تتعامل مع مشكلة أشد صعوبة، فمع انتقال الإنتاج ناحية الجنوب، وابتعاد المركز الاقتصادي عن المراكز التلقيدية للسلطة، فهذا الأمر قد يزيد من سوء التوترات الإقليمية، وسيتحتم على الهند أن تجد طرقا حتى تديرها.

شعبوية أنجلو أميركية غير متوقعة

أكد التقرير أن الجغرافيا الاقتصادية أعطت أوروبا مشكلة "بريكست" وهي انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، وكذلك الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهذان التغييران كانا لهما بالفعل نتيجة لما حدث في أجزاء صغيرة من المملكة المتحدة والولايات المتحدة. وفي 2016، قام البريطانيون بالتصويت ضد البقاء في الاتحاد الأوروبي، متأرجحين بسبب الأراضي الوسطى في بريطانيا العظمى، حيث قام 2 من بين 3 أشخاص في تلك المنطقة بالتصويت للمغادرة. وبين 1966 و1996، ظلت كل من لندن والجنوب الشرقي، والشمال أغنى من المناطق الباقية، ولكن المناطق الباقية كانت تلحقها، وكان الاستثناء الوحيد يتمثل في الأراضي الوسطى، التي خسرت الكثير، فبين 1997 و2016 تقدمت لندن، ونجى الجنوب الشرقي، بعد أن كان على الحافة، بينما خسرت المناطق المتبقية. وكان مستوى أداء الأراضي الوسطى سيء جدا بشكل خاص، وبحلول وقت الاستفتاء، 9 من بين 10 أفقر المناطق في أوروبا كانت في المملكة المتحدة، وكانت 6 منها في الأراضي الوسطى. وأشار إلى أن أكباش الفداء في الانتخابات كانوا المهاجرين من أوروبا الوسطى، الذين استفادوا من السوق الأوروبية الموحدة والوظائف في لندن، مشيرا إلى أن الموظفين البريطانيين الأكبر سنا في الأراضي الوسطى لم يستفيدوا من ذلك.

الحيوية الاقتصادية الأميركية

قال التقرير إن "القصة في الولايات المتحدة مشابهة لذلك، فبين 1980 و2016، خسرت منطقة البحيرات العظمى حيوتها الاقتصادية الإقليمية، حيث سجلت ويسكونسن وميشيجان وبنسلفانيا الغربية أسوأ أداء اقتصادي لها، ولا يمكن نسيان أنه في 2016، صوتت هذه الولايات لصالح ترمب. وكما في بريطانيا، أشار التقرير إلى أن أكباش الفداء في الولايات المتحدة كانوا المهاجرون.

نفوذ الصين الخارجي الاستثنائي

يقول التقرير إن "التغير الثالث الكبير هو ظهور نفوذ الصين في العالم النامي، ففي الماضي وتحديدا في 2009، أعطينا الكثير من الاهتمام لما كان يحدث داخل الصين، وتوجب علينا أن ننتبه أكثر لأنشطة الصين في الخارج". وفي حين أن لدى الصين العديد من الأسباب كي توسع نفوذها، إلا أن وضعها المالي قد يكون الأكثر أهمية، وتمتلك بنوك الصين أصولا تقدر بحوالي 35 تريليون دولار، ثلاثة أضعاف إجمالي الناتج المحلي بالصين، مما يجعلها أضخم نظام بنكي في العالم، مقترضةُ من قِبل بنوك الصين في الخارج أقل من 1 تريليون دولار أو 3% فقط من إجمالي أصولها حتى 2016، ولكن هذا الأمر يتسبب في الكثير من الصداع. وخلص التقرير بالقول إن "الأموال الصينية قامت بتمويل الاستثمارات في الطاقة والنقل، ذات النقص الشديد في آسيا وإفريقيا، ولكن الخوف هو أن المشاريع ليست دائما مُختارة بشكل جيد، وقدّر الباحثون أنه منذ 1997، كلفت الاستثمارات غير الفعالة محليا الصين 10.8 تريليونات دولار، وتتحمل البنوك الصينية الآن الكثير من الديون السيئة، ويجب على المقرضين الأجانب أن يتوقعوا من الحكومة الصينية أن تتابع عمليات إعادة سداد القروض، كما يجب على الحكومات الأجنبية أن تكون حذرة بشكل مضاعف تجاه طريقة استخدامها للمال.

أبرز العوامل المغيرة للجغرافيا الاقتصادية

1. تراجع التجارة في أنحاء كثيرة من العالم

2. تراجع التدفقات العالمية لرأس مال

3. الكثافة السكانية والتلوث في الهند وإفريقيا

4. ظهور المشاعر العدائية للمهاجرين في أوروبا والولايات المتحدة

5. محاولة الصين إقناع الكثير من الدول باستخدام "النموذج الصيني للتنمية"

6. التكنولوجيات الجديدة المهددة بتغيير شكل وحجم المدن والمناطق والتجارة العالمية

*الديون الحكومية بالنسبة لإجمالي الناتج المحلي (من يونيو 2018)

الصين: 50 %

البرازيل: 100 %

الأسواق الناشئة: 50 % ماليزيا: 55 % كوريا: 40 % مجموعة العشرين: 95 % أستراليا: 40 % الولايات المتحدة: 100 % منطقة اليورو: 100 % المملكة المتحدة: 110 % اليابان: 205 %