«نحن في بلادنا اليوم بين تيارين: تيار يريد أن يسلخنا من ديننا، وتيار يريد أن يسلخنا من دنيانا». جملة خطّها مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، عندما كان أميرا لمنطقة عسير في حقبة زمنية كانت تعجّ ببكتيريا «الصحوة» السامة.

كان للأمير آراء ومقترحات وتوجّهات، بل وعمل على أرض الواقع يضاد موجة الصحوة المقيتة، وكنت أسمع -وأنا حينها ابن 10 سنين وكان يتحدث المتحدث غير آبه بي لصغر سني- كنت أسمع من يقابل أفكار سموه وأمثالها بالنبذ والاستنكار الممزوج بغضب عارم ونزوة منفجرة، بل سأكون جريئا إن قلت إن هناك من كان يطرق سمعي بوصفه من يقتنع بأفكار الأمير ومن سبقه من الواعين والمثقفين وأصحاب الرأي والخبرة؛ بأنهم يوصفون بالعلمنة. حتى كنا نرى من ظاهره حلق اللحية كفرا بواحا، وأنه من أصحاب النار لا محالة. أما من كان ذا لحية كثّة وثوب شامر وسواك لا تفرق بينه وبين عصاته، كنا نرى هذا سفينة نجاة، بل كنا عندما يمشي في مناسبة أو سوق أو حتى شارع، نقترب منه ونشعر بأنه الملاذ الأمين، ولم يبق بيننا وبين التبرك إلا إصبع عوجاء! غرس قدسية مقيت بأيد مجرمة!.

في هذه الأجواء، كان هناك صوت لافت ينبع من فكر الأمير المتزن، وكنت عندما أستمع إلى أحاديثه أقع في حيرة وتردد، بين كلام العقل وهذا صاحب اللحية الكثة الذي كنّا نظن مفتاح الجنة بيده، وكان من منّة الله علينا أن سخّر لنا آباء تأسسوا قبل إعصار الصحوة، فكان والدي هو الحاسم لما كان يتجاذبني من قوتين معتبرتين، وختام الصراع أن هداني الله عن صحوتهم.

كان للأمير خالد الفيصل، جهودا باسقة في هذا المجال، ولعل من أهم جهوده صحيفة «الوطن» هذه التي كانت تشنّ الغارة تلو الغارة، فكرا بفكر، وقلما بقلم، حتى أطلق عليها الصحويون «الوثن»!.

كما أن الأمير كان من أوائل من رسّخ مبدأ الوسطية في الفكر المحلي، والفكر العربي بشكل عام، وكان كثيرا ما يواجه حروبا شعثاء وإساءة منهم، وكان يقول مقابل كل هذه الإساءة كلمته الراقية التي بُثّت عبر الأثير «الله يسامحهم»، وردُّ سموه هذا يكمن وراءه سبب واضح، وهو أنه لم يكن ليرد شيئا لنفسه، بل كان ماضيا بقافلة النماء، واضعا نصب عينيه المصلحة العامة، عكس ما كانوا يهدفون إليه تماما!.

وبعد مرور السنين، ها هو صوت الحق يزهق الباطل، فها هو أمير الفكر ابن الفيصل، تُستلهم عباراته وإرشاداته مشخّصة للواقع مبرِئة لسقمه، وكأنه يقولها الساعة، وها هم رموز تلك الصحوة التي ما امتلكت من اسمها غير أحرف جرداء يتراجعون بوضوح -وأقول بشجاعة- عن صحوتهم.

وبالمناسبة، فإنها تُشكر لهم -في رأيي- شجاعتهم والتحامهم مع قيادتهم، وصدق أحدهم إذ قال «خلاص، نحن اليوم مستهدفون»، وأما ما مضى من «توريط» و«تغرير» بالشباب الضحايا، فحسابهم فيه على الله.

ختاما، فإنّي ومن في جيلي، علمنا أيها الأمير جواب سؤالك القديم «من غيّب البسمة؟!» وأنهم هم، وعلمنا يقينا جواب سؤالك الآخر «من يستطيع أن يغيّر هذا الواقع الجديد المؤلم؟!»، وإنها -بلا شك- جهود من مثل جهودكم الممزوجة بتجارب الزمان وحكمة الإنسان، متمثلة في رؤية الأمير محمد بن سلمان. والسلام.