منذ فترة طويلة وأنا لا أحرص على تلقي العلاج للأمراض الطارئة والموسمية الخفيفة في مستشفيات وزارة الصحة أو مراكزها في الأحياء. وذلك يعود لأسباب ليست خافية عليك عزيزي القارئ، أولها عدم الاهتمام بالمريض، وعدم تشخيصه بشكل جيد، وأيضاً عدم إعطائه الأدوية الجيدة المتناسبة مع حالته التي يعاني منها. يزيد الموضوع سوءاً بالنسبة لي عندما يكون المريض طفلاً صغيراً بالسن، حيث تعج مستشفيات الصحة بأطباء لا يشعرونك بأهميتك وأهمية أطفالك لديهم.

في بداية هذا الشهر الكريم، تعرضت طفلتي الصغيرة لأعراض مرضية بسيطة، وكالعادة ذهبت بها إلى مستوصف خاص لأخذ العلاج اللازم، إلا أن حرارة جسمها لم تنخفض حتى مع متابعتي لنفس المستوصف لمدة يومين متتاليين. ولأني (موظف حكومي) ولا يوجد لدي تأمين صحي، فقد اضطررت للذهاب بها فجراً إلى مستشفى الأمير عبدالرحمن الفيصل بالرياض، والذي تكوّنت لدي انطباعات غير جيدة عنه من زيارات سابقة. في بداية دخولي للمستشفى، تنشّط وتحفّز بداخلي (الممارس الإداري) فأهملت وضعية المراجع، وأخذت وضعية المراقب الإداري للعمليات والممارسات المهنية، وبدأت أتفحّص العمل في المستشفى من هذا المنظور، حيث قلت لنفسي إن هذه تجربة إدارية يجب أن ألاحظ فيها حجم التغييرات الحاصلة في خدمات الوزارة بين نظرتي السابقة والتي كانت قبل سنوات وبين حضوري الحالي، عبر هذا المستشفى كعينة عشوائية.

تنوعت مستويات العمل التي مرت بها حالتي بالمستشفى، حيث تَنقلت ما بين مستويات إدارية وطبية وفنية. أول ملاحظة قابلتها، هي عدم وجود الموظف الإداري في مكتب الاستقبال، ولأن الدقائق ثقيلة على المريض، فقد كانت هناك لوحة خلف كرسيه مكتوب فيها أرقام الاتصال لجوالات، لمن لديه أية إشكالات في الخدمة المقدمة، ومع تأخر الموظف، فقد اتصلت بالرقم إلا أنه لم يرد. بعد حوالي ربع ساعة، حضر الموظف وأعطاني أبلكيشن الدخول على العيادة، وذهبت لها. هناك لم أجد الممرضة التي تأخذ القياسات الطبية لكل حالة قبل العرض على الطبيب، وهنا كانت ملاحظتي الثانية. والحقيقة أنني تضايقت من عدم الاهتمام هذا. إلا أني انتظرت لحدود أكثر من ساعة، وأيضاً لم تحضر الممرضة. فذهبت أبحث عن المدير المناوب، وأيضاً لم أجده في مكتبه، وانتظرته لنصف ساعة وأيضاً لم يحضر. هذه المشاهد الإدارية غير الجيدة أبداً، كنت متوقعاً حدوثها في منشأة من منشآت وزارة الصحة، ولكن المؤلم أنها جاءت متتابعة وفي خط سير واحد لعملية إنتاجية واحدة، مما جعل لدي ما يشبه الاعتقاد بأن خدمات وزارة الصحة لن تتحسن أبداً.

بعد ضجة عملها بعض المراجعين (ولا ألومهم)، تم توفير ممرضة (جاء بها أحد موظفي الأمن!!) من أحد الأقسام المجاورة، وبعد أخذ العلامات الحيوية للأطفال، دخلتُ على الطبيبة. وهنا تغير المشهد بالكامل.

كنت أتوقع أن تعطيني بعض المهدئات فقط، وأخرج من المستشفى في دقائق بسيطة. إلا أن الطبيبة طلبت إجراء تحاليل شاملة، وطلبت أشعة للصدر بالكامل، كما طلبت عمل حقن وريدية عبر التنويم السريع في غرفة الملاحظة المجاورة للعيادة، لتخفيض حرارة الطفلة. هذه العمليات استغرقت حوالي الساعتين. وبعد وصول نتائج الأشعة ونتائج التحليل، رفضت الطبيبة أن تكتفي بهذه الإجراءات، بل انتظرت حتى حضر أحد الأطباء (أخصائي طوارئ) ليأخذ التشخيص مرة أخرى، وعندها أخبرني برأيه الطبي، وطلب مني الانتظار، حتى تنزل طبيبة التنويم من الدور الأعلى، لتطّلع على الحالة، ولتخبرني بتشخيصها، وعندها يمكنني أخذ القرار حيال حالة ابنتي، إما إدخالها التنويم لمدة يومين لمتابعة حالتها أولاً بأول، أو الخروج بها للمنزل والرجوع بها في حالة انتكاس حالتها الصحية لا سمح الله.

لم أنتظر نزول طبيبة التنويم، واكتفيت برأي طبيبة الأطفال وطبيب الطوارئ، وأخذت القرار بالخروج، وهنا حدث ما يمكنني وصفه بأنه انقلاب حقيقي في تعامل منسوبي وزارة الصحة مع المراجعين. عندما رجعت لطبيبة الأطفال لأخذ وصفة العلاج للمغادرة، بدأت الطبيبة بالضغط علي، بعدم إخراج الطفلة، وأنه يجب عليهم الاهتمام بها أكثر، ومع أن حالتها مستقرة، إلا أنه يجب على حياتنا كآباء أن تتوقف، في سبيل الحفاظ على صحة وسلامة أطفالنا. وعندما رأت إصراري على الخروج، أعطتني علاجات متعددة تتجاوز الستة أدوية (أول مرة أشاهدها تُصرف في مستشفيات الصحة)، كما طلبت مني الرجوع لها لتشرح لي طريقة استخدامها. كل هذا حصل، والطبيبة والطبيب لا يعرفان ولا يدركان طبيعة عملي، أو أنني كاتب رأي في هذه الصحيفة. تم التعامل مع حالتي كأي مراجع آخر.

الحقيقة أنني صدمت من واقع العمل داخل المستشفى. وهنا يمكنني القول بأنني لو كنت مستشار إدارياً في الوزارة، لقسّمت هذه الحالة إلى قسمين: الأول: إداري، ويحتاج الكثير من الضبط والاهتمام وإعادة صيانة التغيير وإزالة مظاهر المقاومة له. والثاني: طبي، وهو وضع متقدم بمراحل عن المستوى الإداري. أما ما يخص الجانب الفني، فهو يقف بين المرحلتين. حيث أن المختبر لا يعطي النتائج إلا بعد الطلب المتكرر من قبلك عليهم (على الأقل هذا ما حدث معي).

وأنا أقرأ بطاقة أخصائي الطوارئ، قرأت أن وظيفته هي مدير إدارة التغيير في المستشفى. عندها تذكرت كتاب الدكتور أحمد السناني الذي يتحدث عن (تخطيط التغيير التنظيمي وإدارته) ورغم أن الكتاب لا يتجاوز السبعين صفحة إلا أنه يعتبر من أجمل الكتب في هذا الشأن، تحدث فيه عن ماهية التغيير التنظيمي، وإستراتيجياته، وما هي آليات التخطيط للتغيير ونماذجها وعناصرها، وكيف تدار وتُصان عمليات التغيير من المقاومة التي قد تحدث (الجانب الإداري في الحالة أعلاه)، وكيف يتم التغلب على المقاومة للتغيير من حيث مراحل الاستجابة، وأيضاً ما هي النواحي الإيجابية التي تأتي مع المقاومة.