الدراما حقل إبداعي يجمع بين الأدب والفن، والآداب والفنون هي محاكاة للواقع، وليست بالضرورة عكسا له أو تصويرا دقيقا لما حدث أو يحدث فيه، وإلا لانتقل من حيز الدراما لحيز التحقيق التاريخي أو الصحفي، الذي يتطلب بدوره الدقة بعكس ما حدث في الواقع، كما حدث بلا زيادة أو نقصان. ما عدا الأفلام الوثائقية التي يجب أن تعكس الواقع، كتحقيق تاريخي، إذا تناولت أحداثا أو حدثا تاريخيا. أما الأعمال الدرامية الروائية التاريخية، سواء الأفلام منها أو المسلسلات، فهي تخضع بالضرورة للشروط الدرامية التي من أبرزها التكثيف والتصعيد، والتشويق، والمبالغة التي لا تأتي على حساب العمل، ولكن تضيف إليه بهارات تحرض على المتابعة، بدل أن تتحرك ضمن ريتم ممل، قد ينفر المشاهد العادي من متابعتها، ولو تمت إضافة شخصيات ثانوية غير موجودة، مثل شخصية خادم أو صديق أو جار، وإقحام قصة ثانوية على الموضوع الرئيسي مثل قصة حب، أو ثأر، التي من خلالها تتم إضافة جذب للمشاهد، وتكريس صورة الحقبة مجال العمل. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى قد يختار كاتب أو مخرج العمل الدرامي التاريخي مواقف درامية جاذبة من الحدث التاريخي، موضوع العمل، (ما يجذب من ناحية الصورة والحدث)، ويهمل ما عداها (التكثيف)، بدون إخلال بروح الموضوع. وخير مثال على ذلك ما فعله المخرج العالمي الشهيد مصطفى العقاد في فيلم «الرسالة»، حيث كثف حقبة التأسيس الإسلامية في فيلم واحد لا يتجاوز الساعتين، بشكل إبداعي درامي من دون إخلال بموضوعه.

إذاً فالأعمال الدرامية لها شروطها الخاصة بها، مثلها مثل أي فن أو أدب، أو حتى علم، والدراما التاريخية، بشكل خاص، لها شروطها الخاصة بها، لا يقبل التنازل عنها أي محترف في العمل الدرامي، رضي من رضي، وغضب من غضب، والنتيجة (نسبة مشاهدة العمل)، هي الفيصل في الحكم على جودة العمل من عدمه. إن من يقدسون التاريخ وشخصياته البشرية، لا شك سوف يعانون من أي عمل درامي، ومن أي رؤية تتم صياغتها عليه، حيث لا توجد أعمال درامية مقدسة، ولن توجد، كونها أكثر الأعمال قابلية للنقد.

إن تورط أي فريق عمل درامي وبشكل خاص التاريخي منها، باستشارة مجمعات فقهية أو تاريخية، والأخذ برأيها، هو شهادة وفاة للعمل قبل بداية إنتاجه. وذلك لسبب بسيط، وهو لو قام كل روائي أو شاعر، بعرض إنتاجه قبل طبعه على مجمع فقهي أو ديني، فتخيلوا كيف كانت ستخرج الروايات ودواوين الشعر علينا؟ وليس ذلك تقليلا من قيمة المجمعات الفقهية والدينية وأهميتها، حيث تحتاج إليها المجتمعات المسلمة في تبيين مناسكها وأمورها الدينية. أنا ككاتب درامي، عندما أحتاج لتضمين آية قرآنية، أو حديث شريف، أتصل بزميل متخصص في مجال الشريعة ممن أثق بعلمه، من أجل الاستفسار منه عن سبب نزول الآية ووجوه تأويلها، كذلك أسأله عن صحة الحديث وعن وجوه تأويله، من غير أن أقحمه في موضوع النص الدرامي الذي أعمل عليه. بالضبط مثلما أفعل، عندما أستشير طبيبا عن مرض ما، عن أسبابه وتداعياته وطرق علاجه، إذا كان العمل يتطلب ذلك، وكذلك من غير أن أقحمه بتفاصيل النص الذي أعمل عليه. أما إذا كان العمل الدرامي يتعلق بمسألة فقهية اقتصادية، وتداعياتها على حياة الناس، فبالطبع تتم استشارة متخصص واحد بالفقه والاقتصاد، مثلما فعلنا في حلقة «زيد أخو عبيد» التي تتعلق بالمصرفية الإسلامية، وكان المرجع الفقهي والاقتصادي لهذه الحلقة هو الزميل الكاتب المتميز في تخصصه، الدكتور حمزة السالم، وقد ورد اسمه في مقدمة الحلقة. وبعيدا عن هل وصلت الفكرة للمشاهد أم لم تصل؟ الحلقة نجحت بدون منازع، لإثارة فكرتها التساؤلات وطرحها من جديد على طاولة النقاش، وهذا أقصى ما يحلم به أي عمل درامي. وهذا بشهادة الدكتور الناقد الأدبي القدير والخبير الدرامي عبدالله الغذامي، بتهنئتي برسالة منه، لنجاحها في فتح النقاش من جديد في موضوع الحلقة.

* «الوطن» عام 2008

عبدالرحمن بن محمد يوسف الوابلي

من مواليد 1/ 10/ 1958

مدينة بريدة

العمل الخاص

كاتب درامي ومدير ورشة الدراما (الهدف)

كاتب أسبوعي في «الوطن»

دراسة الدكتوراه 1997 في التاريخ الأميركي، أميركا.

دراسة الدكتوراه (2000) جامعة الملك سعود (الرياض) تاريخ عربي حديث.

نشر عدة بحوث علمية عن تاريخ المملكة العربية السعودية وأميركا وأوروبا

الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الحديثة.