ظهر غد الإثنين، وبجوار بيت الله العتيق، تبدأ -بمشيئة الله تعالى- أعمال المؤتمر العالمي (قيم الوسطية والاعتدال في نصوص الكتاب والسنة) و(اللقاء التاريخي لإعلان وثيقة مكة المكرمة)، ولا أبالغ إن قلت إن الكل يترقب فعاليات الجلسات العلمية الخمس، وكلمات المشاركين، ويترقبون ويتشوقون للجلسة الختامية، التي ستشتمل على إعلان (وثيقة مكة المكرمة).

موضوعا الوسطية والاعتدال من المواضيع التي يتناولها العلماء وطلاب العلم كثيرا، والكلام عنهما يطول، والناس تهتم بهذا النوع من المواضيع بما قل ودل.. الوسطية، تعني التوازن والاعتدال في مختلف الأمور، وهي الأحسن والأخْيَر، ومن خلال تمعن بسيط نجد أنها تستدعي طرفين مهمين: طرف المتساهلين في الطاعات، والمقصرين في العبادات والواجبات، وطرف المغالين والمتشددين، وقد شكلت -الوسطية- سمة جوهرية وقاعدة أساسية تنتظم جزئيات الدين كله، إذ تشمل الاعتقاد والتشريع والعبادة والحكم والجهاد وغيره، وهي منهج حياة يجب التحلي به في كل شؤون الحياة، وإذا تخلى المرء عنه سيجني ثمارا سيئة تلحق به وبالمجتمع والأمة بأسرها.

على المسلمين الجادين إقرار منهج الوسطية واتباعه، وعليهم في الوقت نفسه معرفة أن الوسطية لم تكن سمة مميزة للأمة المحمدية فحسب، وإنما كانت منهجا وسبيلا أمرت به الشريعة وحثت على التخلق به، وكلنا اليوم في أشد الحاجة إلى تأكيد مفهوم الوسطية والبعد عن الغلو والتشدد الذي أضر بالمسلمين والإسلام إلى الدرجة التي تشوهت معها صورته الناصعة في نفوسهم، وعلى أهل العلم -أعانهم ربي- تعزيز ونشر مبدأ الوسطية لدى فئات الشباب، عن طريق اقتراح البرامج التنفيذية المناسبة والمستنتجة من دراسة وتحليل الوضع الراهن، واستخلاص نقاط الضعف ونقاط القوة في البيئة الداخلية، وكذلك الفرص والتحديات في البيئة الخارجية.

أختم بمقولتين خالدتين، الأولى لراعي مؤتمر الوسطية والاعتدال، سيدي خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، وجازاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء: «تسعى المملكة العربية السعودية إلى تطوير حاضرها، وبناء مستقبلها، والمضي قدما على طريق التنمية والتحديث والتطوير المستمر، بما لا يتعارض مع ثوابتها، متمسكين بالوسطية سبيلا، والاعتدال نهجا، كما أمرنا الله بذلك، معتزين بقيمنا وثوابتنا، ورسالتنا للجميع أنه لا مكان بيننا لمتطرف يرى الاعتدال انحلالا، ويستغل عقيدتنا السمحة لتحقيق أهدافه، ولا مكان لمنحل يرى في حربنا على التطرف وسيلة لنشر الانحلال واستغلال يسر الدين لتحقيق أهدافه، وسنحاسب كل من يتجاوز ذلك، فنحن -إن شاء الله- حماة الدين، وقد شرفنا الله بخدمة الإسلام والمسلمين، ونسأله سبحانه السداد والتوفيق»، والمقولة الثانية لولي عهده الأمين، الأمير محمد بن سلمان، سدده الله: «من المملكة العربية السعودية انطلق الإسلام وأضيئت أنوار النبوة، وسيظل هذا الوطن الغالي متمسكا بثوابت الدين الحنيف، دين الوسطية والاعتدال، ومحاربا بلا هوادة للتطرف والإرهاب».