دائماً ما يتم وصف أشخاص مثل غاندي، مانديلا، زيدان، بيكاسو، بيتهوفن.. إلخ بأنهم شخصيات كاريزماتية. حسناً، هذا صحيح، لكن ما الكاريزما على أيّة حال؟ طبعاً هذا سؤال مهم، وجوابه التالي: الكاريزما: قدرة أو مهارة يمتلكها شخص ما يستطيع من خلالها التأثير على الآخرين ويوجه سلوكهم ويقودهم، باختيارهم، لتحقيق الأهداف التي يرغب بها، لولائهم له وإيمانهم بقدراته. هل من الممكن تعلم الكاريزما؟ في اليونان القديمة كان هناك اعتقاد سائد بأن الكاريزما هي نعمة أو هبة إلهية، بمعنى أنها منحة من الله لبعض الناس، ولهذا لا يستطيع أي إنسان الحصول عليها، إلا أن العلم الحديث أثبت أنه من الممكن لأي شخص أن يصبح كاريزماتياً. كيف تكون كاريزماتياً؟ توجد عدة صفات ومهارات عليك تعلمها والتدرب عليها وعند إتقانها ستكون شخصاً كاريزماتياً مؤثراً وقائداً في مجال عملك أو في المجال العام، وسأذكر تالياً أهم هذه الصفات: أولاً: كنْ الأول في مجال عملك وتخصصك، فلا أحد يعرف الثاني! أغلب الناس يعرفون أن نيل أرمسترونج هو أول إنسان نزل على سطح القمر عام (1969)، ولكن القليل منهم يعلمون أن الثاني هو (Buzz Aldrin)، رغم أن الفارق بينهما هو (20) دقيقة فقط. ثانياً: خاطرْ لكن بدون تهور: الكاريزماتيون يخوضون، بحساب، المخاطر للمصلحة العامة، ويجعلون الآخرين على علم بالأخطار، إنهم لا يريدون منهم الانقياد الأعمى غير الواعي، يريدون جماهير عارفة وغير مخدّرة أو مغيّبة، مثلما فعل وينستون تشرشل عندما أصبح رئيساً لوزراء بريطانيا عام (1940)، حيث صارح شعبه وقال في أول خطاب له في مجلس العموم: «لا أعدكم إلا بالدم وبالدموع والبكاء والألم»، ولكنه وعدهم بالنصر في الحرب العالمية الثانية. ثالثاً: كنْ صاحب مبادئ وأهداف: حافظ على مبادئك، وضعْ أهدافاً واضحة وكبيرة لحياتك ولمَن معك، واعمل جهدك لتحقيقها، الناس يحترمون الشخص المبدئي، هل تتذكرون الدالاي لاما؟ إنه زعيم البوذيين في التبت، هذا الرجل الذي تمسك بمبدأ (اللاعنف) كطريقة وحيدة لتحرير بلده من الاحتلال الصيني الممتد منذ 1959 ولم يدعُ لاستخدام العنف في مقاومة الاحتلال، فاستحق احترام العالم وجائزة نوبل للسلام. رابعاً: قدمّ المساعدة: الناس يحبون مَن يعمل من أجلهم ويساعدهم، خاصة في أوقات الأزمات والمحن، ولهذا نكنُ الاحترام للبنغالي محمد يونس الذي أسس بنك (Grameen) لتقديم قروض صغيرة للفقراء، فقدم (20) مليار دولار لحوالي (9) ملايين فقير، وكذلك الملياردير بيل جيتس الذي تبرع بحوالي (35) مليار دولار، وساهم بتوفير العلاجات لـ(6) ملايين إفريقي. خامساً: كنْ قدوة وابدأ بنفسك: كانت بريطانيا تشتري القطن الهندي بثمن بخس، ثم تبيع الملابس القطنية للهنود بأسعار باهظة، فطلب غاندي عام 1920 من الشعب مقاطعة الملابس البريطانية وغزل ملابسهم بأنفسهم من قطنهم، وخاطب شعبه: «احمل مغزلك واتبعني»، فبدأ يغزل ملابسه وفعل مثله الشعب، وتكرر الأمر عام 1930 عندما فرضت بريطانيا ضريبة على الملح فقرر (غاندي) السير إلى البحر لاستخراج الملح بنفسه، فمشى معه الناس لـ(24) يوماً وقطعوا مسافة (240) ميلاً للوصول إلى البحر وقاموا باستخراج الملح، لو أن (غاندي) لم يغزل ملابسه ولم يسر إلى البحر لربما لم يستجب الشعب ولفشلت دعوته. سادساً: أن تكون متمكناً من لغة الجسد وتتقن فنْ التواصل: أثبتت الدراسات أن لغة الجسد تساهم بإيصال الأفكار للآخرين بنسبة 55 %، ونبرة الصوت بنسبة 30 % أما الكلمات فدورها لا يتعدى نسبة 7 % فقط، إذن من الضروري أن تتقن هذه اللغة لتؤثر في الناس. سابعاً: قوة الشخصية: كنْ واثقاً بنفسك وتمتع بشخصية قوية مؤثرة غير متأثرة، وأن تعرف نفسك جيداً، وتعرف ما تريد بالضبط، ونقاط قوتك كما ضعفك، يقول (أرسطو): «معرفة نفسك هي بداية كل حكمة». ثامناً: كنْ شجاعاً في اتخاذ القرار: عليك أن تعي أبعاد الخطوة التي ستقوم بها، والتفكير بها وتحمل مسؤولية قرارك، ولهذا قيل: «لا تتخذ قراراً مهماً إلا إذا درت حول التل دورة كاملة»، لتكتمل الصورة وتأخذ وقتاً للتفكير قبل اتخاذ القرار. تاسعاً: توافرْ على مهارة التخطيط: الكاريزماتي مخطط ناجح لأنه يستشرف المستقبل ويضع خططا للتعامل معه، وهو مسؤول عن معيته الذين وضعوا ثقتهم به وانقادوا له، ولا بد أن يقودهم لتحقيق الأهداف المرسومة ولا سبيل لذلك غير التخطيط، ولهذا فقد وضع رئيس رواندا (Paul Kagame) خطة طويلة المدى رؤية 2050 لبلده، مثلما فعلت الهند وغيرها من الدول. عاشراً: اجعلهم يتذكرون كلامك: في حديثك استخدم الأمثلة الواقعية والقصص والجمل القصيرة التي تتوافر على تعبيرات بلاغية، لأنها من أكثر الأدوات التي تجعل حديثك ممتعاً ومؤثراً، وتساعد الغير على تذكر كلامك، ولهذا فإن خطاب (لديّ حلم) لداعية الحقوق المدنية مارتن لوثر كينج أصبح علامة فارقة في تأريخ المناضلين من أجل الحرية. أخيراً: كنْ مختلفاً عن غيرك ولا تُقلد أحدا، فقد مللنا من النسخ المكررة!