تشكل البطالة «هاجسا» وهَمًّا كبيرا للحكومات في جميع أنحاء العالم، وتعدّ نسبة البطالة من أهم المؤشرات الاقتصادية التي تسعى الحكومات إلى تحسينها.

ظهرت رؤية 2030 كبارقة أمل ونور مشع لإيقاظ عملاق سعودي، وهناك دلائل واقعية على تغيير حقيقي بعد انطلاق الرؤية عام 2016.

قد يتفق جميع الخبراء والباحثين على أن العلاقة بين مخرجات التعليم وسوق العمل هي السبب الأول للبطالة لدينا في المملكة، فمخرجات التعليم نظرية ومكررة، ولم تتغير منذ عشرات السنين، رغم تغير حاجة سوق العمل وطلباتها الواضحة. فما زالت كليات العلوم والآداب وغيرها من الكليات النظرية تخرّج مئات الآلاف من الطلاب سنويا دون أي مستقبل وظيفي واضح، ودون مهارات أساسية يحتاجها سوق العمل، وقد يكون المجال الطبي حلا مؤقتا لاستيعاب الآلاف من الطاقات السعودية المهدرة في البحث عن عمل في مجالات أخرى، وذلك لضخامته وتنوع تخصصاته وارتفاع نسبة الوافدين فيه.

أخيرا، أصدرت الهيئة السعودية للتخصصات الصحية دراسة عن مستقبل سوق العمل الصحي في السنوات الـ10 المقبلة، وأشارت إلى إمكان تخريج حوالي 17 ألفا في مجال التمريض في السنوات الـ5 المقبلة، كي يصبح عدد التمريض السعودي الحامل لدرجة أخصائي حوالي 26 ألفا عام 2027، فضلا عن احتياجنا إلى إضافة 185 ألف ممرض وممرضة من فئة أخصائي لتحقيق نسـبة 1/200 «ممـرض إلى عـدد مـن السكان».

وللعلم، لن يتجاوز أعداد التمريض السعودي حوالي 12% من أعداد التمريض المطلوبة لعام 2027، لو استمررنا بمعدل المتخرجين نفسه.

في تصوري البسيط، أنه يمكن استيعاب خريجات كليات العلوم واللغات في المجال الطبي عبر إعادة تأهيلهم في برامج، من أهمها برامج مساعدة تمريض، ومساعدة طبيب أسنان، كما سبق استيعابهم في برامج مكافحة العدوى والتعقيم الطبي.

كثيرون منا يزورون العيادات الخارجية، ويعلمون أن دور الممرضة في العيادة هو نداء المريض والوجود داخل العيادة، ثم توجيه المريض بعد العيادة، وفي حالة احتاج المريض إلى غيار أو علاج طبي، يتم توجيهه إلى غرفة مجهزة بالطاقم الطبي، ونرى كثيرا من المستشفيات في جميع أنحاء العالم تقوم باستغلال وظيفة «مساعدة التمريض»، لتغطية العيادات الخارجية وتحويل التمريض إلى باقي أقسام المستشفى.

وتشير الأرقام إلى أن العيادات الخارجية في المستشفيات تحتاج إلى 25-30% من أعداد التمريض الإجمالي. وفي الحقيقة هذا الدور يمكن الاستغناء عنه بمساعدة تمريض مدربة ومؤهلة لهذا الدور.

إذا افترضنا -حسب أرقام الهيئة السعودية- أن سوق العمل في المملكة 2027 تحتاج إلى 185 ألف ممرض وممرضة غير سعوديين، فبالتالي يمكن سعودة حوالي 40 ألف وظيفة عبر إعادة تأهيل خريجات كليات العلوم واللغات إلى تغطية العيادات الخارجية، وكي نتجاوز أخطاء «الدبلومات» التجارية التي فشلت سابقا لسوء التطبيق وضعف الرقابة فيجب علينا:

1- إطلاق برنامج وطني تحت مسمى التأهيل الطبي للوظائف الصحية

2- يجمع البرنامج ممثلين عن: وزارة الصحة والعمل والخدمة المدنية والحرس الوطني والداخلية والدفاع، مع وجود استقلالية للبرنامج عن جميع الجهات السابقة

3- تشرف الهيئة السعودية للتخصصات الصحية على حوكمة البرامج، ووضع مقاييس الأداء والاختبارات، ثم التصنيف بعد التخرج

4- مشاركة المستشفيات الكبيرة والمرجعية بهذا البرنامج، وفق خطة معدة مسبقا، واقتصاره على مستشفيات عالية الجودة بدايةً، لضمانة نجاح البرنامج

5- ضمان توطين الوظائف بعد التخرج في جميع المستشفيات

6- تقييم التجربة بشكل سنوي وتحسينها وتطويرها

اقتصاديا، أصبحت الممرضة غير السعودية تكلف على الأقل 8 آلاف ريال «من الهند والفلبين»، بسبب فرض الرسوم وارتفاع تكلفة التشغيل.

والجيد أن تكلفة تأهيل وتدريب ثم توطين وظائف مساعدي التمريض تساوي ذلك المبلغ تقريبا، وبذلك يستفيد المواطن والجهة المشغلة حكومية كانت أو قطاع خاص، والاقتصاد عموما.

أخيرا، يجب معرفة أن النتائج الكبيرة تحتاج إلى طموحات كبيرة. «جيمس شامبي».

ويجب الخروج من دوامة البيروقراطية والجمودية بالتفكير، فأبناء الوطن قادرون على الإبداع والتميز وشغل الوظائف التي لا تحتاج إلى سنوات طويلة من التدريب لشغلها، ومن باب أولى الحرص على توطين هذه الوظائف وجعلها أولوية على توطين بعض الوظائف «متدنية» الأجور، وحتما بتعاون الجميع وتوافر الدعم والمشاركة، سننجح جميعا بتوفير عشرات آلاف الوظائف لأبناء الوطن، وتحقيق رؤية 2030، وتقديم توطين يليق بالقطاع الصحي، وهمّة العاملين فيه، ليصبح توطينا عن طريق إعادة التأهيل.