سألت الحاضرات في محاضرة لي بأحد أندية الأحياء هذا السؤال:

لو حضرتِ دورة غاية في الروعة عن النجاح في أي مجال من مجالات الحياة، واستمتعتِ بها واستفدتِ منها، وتعلمتِ أمورا لم تكن لديك دراية عنها من قبل، ثم اكتشفتِ أن المدربة فاشلة في هذا المجال «على اتساع مفهوم النجاح والفشل وتشعبهما»، فهل يؤثر ذلك على استفادتك من الدورة؟

فأجابت كثيرات: نعم، يؤثر كثيرا، لأن هذه الأفكار لو كانت مجدية لأجْدَت مع المدربة أولا، ولاستفادت هي منها قبلنا.

وأضافت إحداهن، أن صديقتها كانت تعطيها دروسا جميلة في صلة الرحم، وكانت تتقبلها وتعمل بها، قبل أن تكتشف أن هذه الصديقة تعيش في قطيعة مع شقيقتها منذ زمن!.

وتوالت القصص التي تدور في هذا الفلك، واستشهد البعض بقول أبي الأسود الدؤلي:

يا أيها الرجلُ المعلمُ غيرَه

هلا لنفسك كان ذا التعليم

تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى

كيما يصحّ به وأنت سقيمُ

ابدأ بنفسك فانهِهَا عن غيّها

فإذا انتهت عنه فأنت حكيمُ

لا تنهَ عن خُلقٍ وتأتيَ مثلهُ

عار عليك إذا فعلت عظيمُ

لقد كان ما تفضلت به الحاضرات صحيحا من وجوه كثيرة. فالتعليم والتربية بالقدوة لا تضاهيها طريقة أخرى. ولذلك، بعث الله الأنبياء ليمتثلوا بالقيم التي يدعون إليها وتدعو إليها الكتب السماوية. وتقع على كاهل الآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات مسؤولية كبرى، تتمثل في ضرورة امتثالهم بمكارم الأخلاق التي ندعو أبناءنا للتحلي بها. فلا تربية بلا قدوة حيّة، أما النصحُ المباشر والتنظير فلا يعدو أن أن يكونا تضييعا للوقت، لكن كان لي وجهة نظر خاصة تعليقا على المواقف التي سردتها الحاضرات، وهي أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها، بغض النظر عن حال حاملها أو قائلها.

فلا بأس من الاستفادة من طريقة مبتكرة للمذاكرة من طالب أخفق في الاختبار، فلربما أنجح أنا في تطبيق طريقته أفضل منه، ورُبّ سامع أوعى من مُبلّغ. بل يحدث كثيرا أن يستفيد المعلم من طالبه غير النجيب، والأم من طفلها الصغير.

هناك كثير من الناس يحملون أفكارا جميلة، لكنهم يفشلون في الاستفادة منها في واقعهم. ولو أننا لن نتقبل سوى من أصحاب الكمال، لما تعلمنا شيئا، وقيل إن الحكمة الأخذ من كل علم بطرف، ومثلها الخبرات والأفكار والتجارب والرؤى. فالحكيم من يأخذ من كل جليس أجمل ما فيه، ولا يعنيه أن يبحث عن غير ذلك. وقديما قيل: خذ الحكمة من أفواه المجانين. والله سبحانه وتعالى أمرنا بالسير في الأرض لنتعظ من مصير الظالمين.

وأختم بقصة لإحدى الأخوات التي جمعها لقاء مع مجموعة من الشابات، وكانت فصيحة اللسان تتمتع بأسلوب قصصي جذاب، فتحدثت عن العلم وفضله، ووجوب طلبه، وكان الجميع ينصت باستمتاع لها قبل أن تدخل إحدى قريباتها التي تعلم أنها أخفقت في إتمام دراستها الثانوية، إذ قاطعتها قائلة بصوت عال:

يا طبيب طب نفسك!.

fatema_1440