كنت أستعد ذهنياً للكتابة عن وثيقة مكة. هذه الوثيقة العظيمة والتاريخية، والتي جاءت كحُلّة بهية، لتكسو عالمنا المضطرب، سياسياً وفكرياً واجتماعياً، بمعانٍ سامية ورائدة. ولكني عندما أعدت التفكير بشكل منطقي، عدلتُ عن الكتابة في هذا الموضوع، لسببين: الأول، أن كثيراً من الأفاضل الذين هم أعلم مني، قد تحدثوا عنه وأشبعوه نقاشاً وثراءً، وخصوصاً في تويتر وعلى بعض القنوات الإخبارية، التي اهتمت بنقل أحداث القمم الثلاث في مكة.

والثاني: أنني عندما نظرت إليه من زاويتي التي أتحدث بها دائما – الإدارة والتنظيم - وجدت أنه لا يوجد شيء أستطيع إضافته إلا أن أقترح على منظمة التعاون الإسلامي وعلى رابطة العالم الإسلامي وبالتشارك مع الجهات التنفيذية في الدول المشاركة، تشكيل لجنة خاصة تصنع من هذه الوثيقة برامج عمل تنفيذية، تتواءم مع متطلبات الحياة العصرية التي نعيشها اليوم، وتكون نبراسا لأعمال دائمة ومستمرة في مجتمعات تلك الدول، خصوصاً تلك النقاط التي تحدثت عن نبذ العنصرية والكراهية ومن ثم إحلالها بدلاً منها التسامح والاختلاف الحميد بين الشعوب والأديان.

كنت وقتها في نقاش على تويتر مع أحد الأصدقاء، حول أحد المواضيع المثارة على الساحة، ولأني دائماً أحب أن أكون على صلة وثيقة ببرامج رؤيتنا 2030 فإني قد رجعت إلى موقعها، للبحث عن بعض التفاصيل، وتجديد معلوماتي تجاهها. ولكني تفاجأت بأن الموقع قد تم تحديثه، وقد أضيفت بعض البوابات، منها بوابة (التقدم الذي حققته الرؤية) وأسفل منها جاءت مئات البرامج التي تم تحقيقها في العامين الماضيين.

أما البوابة الثانية فهي (إطار الحوكمة) وبداخلها تم وضع هيكلة العمل المحوكم بدءاً من الأعلى إلى الأسفل، أي من مجلس الوزراء وحتى تصل إلى مبادرات الجهات الحكومية.

أما الأجمل من هذه وتلك. فإنه قد تم إدراج صفحة جديدة للبرنامج (رقم 13) من ضمن برامج الرؤية والذي جاء اسمه (برنامج تنمية القدرات البشرية) ووضع فيه الوصف الخاص به، والذي لخصه مكتب تحقيق الرؤية في وزارة التعليم بأن قال إنه سيرتكز على ثلاثة أسس:

تطوير جميع مكونات منظومة التعليم والتدريب بما فيها المعلمون والمدربون وأعضاء هيئة التدريس.

تطوير الحوكمة وأنظمة التقويم والجودة والمناهج والمسارات التعليمية والمهنية والبيئة التعليمية والتدريبية.

توفير برامج تعليم وتأهيل وتدريب تواكب مستجدات العصر ومتطلباته.

طبعاً إلى الآن لم يتم إطلاق البرنامج بشكل رسمي، ولكن هناك عدد من التقارير التي تتحدث حول هذا البرنامج، إلا أنه لم تصدر عنه تفاصيل رسمية واضحة، سوى أن وزارة التعليم سوف تتحمل الجزء الأكبر من مبادراته، كما أوضحه منشورهم على مواقع الإنترنت والذي أشرت إليه أعلاه، بحيث أنه سوف يكون لهم فيه 19 مبادرة.

وعليه فإنني أعتقد أن من أهم أولويات هذا البرنامج إضافة إلى مبادراته، أن يعمل على تهيئة الأجواء وتنقيتها، بحيث يسهم وبشكل أساسي في بناء عقول سعودية تثري الفكر الإنساني، وتمد الحضارات العالمية بمؤلفات فكرية وأدبية وإنسانية رائدة. إن لم تخني الذاكرة، فأتذكر أني قرأت مرة، في مذكرات ميخائيل نعيمة، عن بؤسه لمّا رجع من دراسته في روسيا على الوضع الأدبي والفكري لدى العرب. أذكره يقول: إن أي دولة في العالم، بإرادتها وعزيمتها، فإنها تستطيع أن تبني جيوشاً من الأطباء والمهندسين والمهنيين في أي مجال، وفي مدة لا تتجاوز العشرة أعوام. أما صناعة المفكرين الكبار، أمثال دوستويفسكي وتشيخوف وتولستوي وغيرهم من العظماء والفلاسفة الكبار، الذين يمدون الأمم، بأفكارهم وكتاباتهم العظمى، فإن هذا أمرٌ من الصعوبة بمكان، ولذلك، فإن خروج مثل هؤلاء العباقرة، لا يكون إلا نادراً، وعلى أعوام طويلة جداً، قد تصل إلى الأربعين والخمسين عاما.

لا يوجد لدي أية فكرة عن كيفية إسهام هذا البرنامج في صناعة هؤلاء العباقرة، ولكني أعتقد، أنه يتوجب عقد ورش عمل كبرى، يحضرها المتخصصون في الفكر والدين واللغة والأدب والاجتماع وعلم النفس والسياسة والفن والإدارة وووالخ من العلوم الإنسانية المتعددة، ليتم النظر في كيفية وضع الأسس الأولى لبناء مجتمع يساهم في استكشاف واستخراج هؤلاء المبدعين، ومن ثم، كيفية رعايتهم والاهتمام بهم، للوصول إلى عالم تتواجد فيه شخصيات سعودية رائدة في المجال الفكري العالمي.

من جملة الأخبار التي سمعتها عن هذا البرنامج أن الدكتور ماجد القصبي سوف يتولى إدارته. وعليه فإنني أعتقد أننا سوف نشاهد انطلاقة متميزة له، وأيضاً سوف نرى تراكمات رائعة سنة خلف الأخرى. وبإذن الله عندما نكون في العام 2022 سوف أعود إلى بوابة (التقدم الذي حققته الرؤية) وسوف أذكركم بالإنجازات التي حققها هذا البرنامج، إضافة إلى أنني سوف أكتب عن التباطؤ الذي يحدث فيه. ولكن دعونا أولاً ننتظر نشر تفاصيله على موقع الرؤية.

عزيزي القارئ، في هذه الجريدة قبل فترة، صدر تقرير من ثلاثة أجزاء عن كتاب اسمه (أقطاب الفكر العربي) للكاتب متعب القرني. كلي رجاء بأن تبحث عنه في موقع الصحيفة، وتقرأ الجزء الثالث منه، لتدرك أن بيننا اليوم شخصية فكرية عالمية عظيمة جداً تستحق الاحتفاء.

( @faisalmsdd)