عندما نقرأ كلام الله تعالى بوعي وإدراك، وكلام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بوعي وإدراك؛ سنصل حتما لقناعة تامة بأن ما قرأناه لا يمكن أن نضل بعده، لأنها قراءات ومعارف أنتجت علوما، ولن تتوقف عن إنتاجها، وإمداد الناس بما يصلح أحوالهم، في سائر أزمنتهم وأمكنتهم، بالشروط التي حددتها الشريعة، وذكرها رسول رب العالمين ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ.

من أشهر أدلة عدم توقف إنتاج المعارف، حديث مشهور عند أهل الحديث، ويجري كثيرا على ألسنة الفقهاء والأصوليين، صححه بعضهم كابن عبد البر وابن القيم، ولم يخلُ من محاولات غيرهم من تزهيد الناس في الأخذ به، ونصه عن الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة، عن أناس من أهل حمص من أصحاب سيدنا معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ: أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن قال: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضى بكتاب الله ـ سبحانه وتعالى ـ، قال فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال فبسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قال فإن لم تجد في سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا في كتاب الله؟ قال أجتهد رأيي ولا آلو؟ فضرب رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ صدره وقال: الحمد لله الذي وفّق رسولَ رسولِ الله لما يُرضي رسول الله. وهو أصل أصيل في تشجيع حركة الفكر في الناس، وإطلاق مسيرة الاجتهاد، والاستنباط، والقياس، وأن القضايا المتجددة التي تحيط بنا، لن نعدم أن نجد حلولا لها، والشرط هو أن يجتهد المؤهلون، ولا يألون، بمعنى لا يقصرون.

يقول الإمام الشافعي - رحمه الله - في كتابه (الرسالة): «فحقَّ على طلبة العلم بلوغُ غاية جهدِهم في الاستكثار من علمه، والصبرُ على كل عارض دون طَلَبِه، وإخلاص النية لله في استدراك علمه نصاً واستنباطاً، والرغبة إلى الله في العون عليه، فإنه لا يُدرَك خيرٌ إلا بعونه»، ويقول في موضع آخر من الكتاب: «وعليه في ذلك بلوغُ غاية جهده، والإنصافُ من نفسه، حتى يعرف من أين قال ما يقول، وترك ما يترك، ولا يكون بما قال أَعنَى منه بما خالفه، حتى يعرف فضل ما يصير إليه على ما يترك، إن شاء الله»..

اليوم تزيد الحاجة إلى ما عنونت به مقالي ـ مثلث جيم ـ: (الجد)، (الاجتهاد)، (التجديد)؛ وشخصيا أعتبر الأول أصل الثاني، والثالث هو نتيجة الثاني؛ ولا داعي للتخوف أو القلق من الإلحاح على (المثلث المذكور)، لأن فيه ضمان حيوية الشريعة، واستمرار صلاحيتها وإصلاحها للزمان والمكان.

@ABFadaaq