المتأخرون من الأمم والدول يرون كل شيء عادياً، لأن بنيتهم العقلية سيطرت عليها الخرافات والمذهبية والطائفية، فهم لا يحرصون على مصالح المجتمع ولا يحلمون بمستقبل واعد، ولا يهتمون بتنمية عقول أبنائهم وتخليصها من شوائب التخلف والرجعية، بل يغرسون في تلك العقول الطرية نفس المغالطات والممارسات الخاطئة التي توارثوها منذ أكثر من ألف عام!!

فترى تاريخهم قد صُبغ باللون الأحمر وكُتب مداده بدم الأبرياء والمغرر بهم. ومع اشتداد رغبات التطرف للمذهب والسيطرة على الآخرين، يخفت صوت العقل ويظهر جنون الدمار والتخريب لكل ما يرونه جميلا من حولهم. ولعلنا لا نختلف على جمال العراق والشام واليمن قبل أن تمتد إليها يد القبح الطائفية. إن الخروج من منطق الطائفة إلى منطق المجتمع والأمة والتمرد على النظرة الضيقة لتصبح نظرة واسعة واضحة تنشر السلام والخير والرخاء. هو أمر لا تجيده إلا الأمم العظيمة والعقول الكبيرة التي تحررت من تبعات الماضي ومن العمامة السوداء التي تلتف على تلك العقول، كما هو حال القيد من المعصم. ورغم أن من يسيطر على تلك العقول هي مجموعة من الأسياد والأئمة إلا أننا لا زلنا نراهن على عقول تلك المجتمعات لمقاومة الطغيان والنزوات والرجعية.

إن العقل البشري السليم بطبيعته يكره الفوضى والغموض ويجد صعوبة في التعامل مع الأمور التي تمنعه من الانطلاق والحرية، ولهذا نجد شعبا يتوق إلى الخروج من شظف العيش والتوقف عن التدخل في شؤون الآخرين وعدم صرف موارد الشعب على الأحلام الاستعمارية والهلال المزعوم. إن العقل البشري يرفض أن يظل حبيس الظلم والقهر والفقر حتى يظهر إمام في آخر الزمان ليخلصهم من كل هذا!!

إن تلك العقول التي لا ترتدي القيود السوداء بدأت في سرد الأسئلة، وعندما تُطرح الأسئلة فإنها تفجر كمّا هائلا من المعرفة، تلك المعرفة التي يخشاها السجانون على تلك العقول. إن تلك العقول في الجانب الآخر من الخليج بدأت تمارس الحذر من المفاهيم والاعتقادات الخاطئة التي جعلتهم عقودا من الزمن يعيشون بنظرة سوداوية أفقدتهم الطمأنينة ولذة العيش. إننا نقول لإخواننا من البسطاء على ذلك الشاطئ إن عدم التمكن من استنفار الهمم للقيام بأعمال جليلة من أجل مستقبل أفضل قد يؤدي إلى مزيد من الانحدار والخسائر.

وأخيرا كان الاجتماع المبارك في مكة المباركة هدفه الولوج إلى مداخل جديدة تنبذ العنف والغلو وتشجع على التفكير بحرية، وتطالب بمواجهة فكرية لذلك العدو المنطوي على نفسه في محيط من الموت والدمار والخراب، والتي نفثها في البلدان المجاورة بل وتلك البعيدة عنه. اجتماع الأمم العربية والإسلامية هو لتحكيم المبادئ الأخلاقية والمنطق السليم والتعايش والانفتاح والاحترام والسلام والرخاء للمجتمعات والخير للأمة، ولن يتأتى ذلك إلا باستئصال كل ما من شأنه أن يهدد هذه الأحلام أو أن يعوق طريقها. إننا نريد سلاماً وحباً وإخاء حتى مع ذلك المجتمع الذي سرقت أحلامه وأفكاره مجموعة طائفية لا تريد أن تتغير أو أن تتبدل، بل تريد أن تجر كل الأمة إلى غياهب التاريخ لنظل نعيش في إشكالية ماضوية.