شكاوى 937 لك وعليك عزيزي القارئ.. تصور أنك طبيب سعودي، حصلت على شهاداتك من الخارج، وبعد أن رجعت لأحضان وطنك، ظنا أنك ستكافأ على كل يوم أمضيته في مقاعد الدراسة، مسخرا وقتك لإنقاذ حياة الناس، معتقدا أنه سيتم استقبالك كل يوم بالتقدير الذي يفيض من عيون مرضاك ومرافقيهم، وبعد أن تركت بقية مدن ومحافظات المملكة، لتفرغ جل وقتك لأبناء منطقتك.

تبدأ عملك يوميا بقسم الطوارئ الذي يعاني نقصا حادا في الكادر الطبي والتمريضي، لتقوم بالإضافة إلى عملك كطبيب، وتقديرا لحياة مرضاك، بالعمل نيابة عن الممرضين، فأنت تقيس العلامات الحيوية، وغيرها من مهام التمريض.

ولأن صاحبنا المرافق هذا، حضر إلى المستشفى لأن طفله يعاني رشحا وزكاما، وهو يعلم أن هذه الحالات من مهام المستوصفات، وليس غرف الطوارئ المكتظة بالحالات الحرجة، ومع ذلك يريد أن يعامل في غرف الطوارئ معاملة المستوصف، فتجده (ينط) وكأنه (عصفور التنبيه في الساعات الجدارية في أفلام الكرتون)، ويذكرك، أنه حضر قبل ربع ساعة كاملة، وأن هناك حالات وصلت إلى الطوارئ برقم يلي رقمه، ومع ذلك تم إدخالها قبله، وكأنه في انتظار الخدمات المميزة في أحد البنوك، وتجاهل الملاحظات المسجلة في أسفل رقمه، والتي تقول إن استدعاء الحالة حسب خطورتها وليس حسب تسلسل رقمها.

وبعد أن (ينط) مرتين أو ثلاثة، تجده ملّ الانتظار الذي وصل إلى ساعة كاملة بلا اهتمام (حسب رأيه)، فما يكون منه إلا الاتصال على الرقم المجاني 937 لوزارة الصحة ويطلب قسم الشكاوى، ويشتكي الطبيب السعودي الذي لم يرَ سواه طوال تلك الساعة.

وبعد دقائق معدودة تجد أن المدير المناوب وصل يهرول ليوفر غرفة فاخرة لصاحبنا مرافق الطفل أبو (زكمه)، وبالتأكيد هي على حساب أحد المحتاجين لها أكثر من طفل هذا الإمبراطور.

وبعد انتهاء الطبيب السعودي من مهام عمله وحالاته التي كانت بعنقه، حتى وإن كان بعد نهاية دوامه الفعلي بساعة أو ساعتين، فيجب عليه أن يجيب على التحقيق الداخلي المفتوح من مركز الشكاوى بالوزارة، وعلى هذا الطبيب أن يحضر ما يثبت صحة قوله، وأنه لم يكن متهاونا أو متواطئا في محاولة اغتيال ابن الإمبراطور بتركه ينتظر ساعة كاملة بلا إنعاش قلبي أو رئوي يزيل منه آثار الزكام عاجلا قبل أن تنهي والدته زيارتها لصديقتها.

فلنفترض عزيزي القارئ (الطبيب)، أنني كنت زميلك في الدراسة الابتدائية، ولأنني أغار منك بعد أن أصبحت طبيبا، فقمت بـ(الاستقعاد) لك، وكل يوم أحضر إلى الطوارئ بطفلي أو جدتي أو عمة شغالتي، وكل يوم أشكوك رسميا عن طريق الرقم المجاني لوزارة الصحة.

السؤال: ما الذي سيضرني أو حتى يضيرني حينها؟

ولكن أنت عزيزي الطبيب، كم هي أضرارك، وانهزامك الداخلي وانشغال دماغك عن مهامك الأساسية بالدفاع عن نفسك؟

أليس من المفترض أن يتلقى من يقوم بشكوى تشغل أذهان الكادر الطبي والصحي والإداري، ردا من موظف مركز الاتصال، يبلغه بأنه في حال تبين أن هذه الشكوى غير جدية، فإنه عرضة للغرامات المالية على الأقل في حال أراد أي خدمة من وزارة الصحة مستقبلا على سبيل المثال، حتى تعي عزيزي الشاكي أن شكاوى 937 لك وعليك.

نظرة للسماء: نبل ما تقوم به، يجب أن يجعلني أتجاهل ما يمكن أن يشغلك عن نبل ما تقوم به.