بشكل دلالي، كانت المساعدات الأميركية الوحيدة التي واظبت الولايات المتحدة على تقديمها إلى السلطة الفلسطينية مخصصة لقوات الأمن، في مؤشر على الأهمية التي توليها حتى إدارة ترمب إلى التعاون الأمني بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن جرى وقف هذا التمويل أيضاً في فبراير عندما عجزت إدارة ترمب عن التوصّل إلى حل وسط مع الكونغرس للحفاظ على تدفق المساعدات. وفي أعقاب ذلك، استمرت جهود أوروبية منفصلة على الأرض لتدريب قوات أمن السلطة الفلسطينية (الشرطة في المقام الأول) وتقديم المشورة إليها. وبشكل أكثر دلالة، وعلى الرغم من وقف المساعدات، حافظت السلطة الفلسطينية بدورها على روابطها الأمنية مع أميركا، عبر قنوات «وكالة الاستخبارات المركزية» السرية وفقاً لبعض التقارير.

وأقرّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس بذلك قبل بضعة أشهر، بإشارته إلى أن التركيز كان على مكافحة الإرهاب. فقد قال عباس «هناك اتفاق مشترك لمكافحة الإرهاب» مع إسرائيل لن ينتهكه، خشية «أن لا يبقى شيئاً».

وكان هدف أميركا في كل هذا شفافاً إلى حد ما. فكما قال ترمب نفسه، «أوقفتُ مبالغ طائلة من الأموال كنا ندفعها للفلسطينيين... وأقول لهم ستحصلون على الأموال، لكننا لن ندفع لكم قبل أن نتوصل إلى اتفاق. إذا لم نتوصل إلى اتفاق، فلن ندفع».

ومن المزمع أن يتمّ الكشف جزئياً عن الاتفاق المعني خلال المؤتمر الاقتصادي في البحرين الشهر المقبل. فهناك سيسعى كوشنر وفريقه للحصول على تبرعات - تقدّر بنحو 25 مليار دولار وفقاً لبعض التقارير - من أجل، كما عرضتها الصحافة، «تقديم فرص جديدة ومثيرة للاهتمام للفلسطينيين كي يتمكنوا من تحقيق كامل قدراتهم».

وقد رفض مسؤولون ورجال أعمال فلسطينيون هذه الخطوة باعتبارها «رشوة» تهدف إلى حرمانهم من «حقوقهم الوطنية». إن السعي إلى حل المشاكل الإسرائيلية-الفلسطينية بواسطة الأموال - علماً بأن العديد من هذه المشاكل أوجدتها واشنطن خلال الأشهر الثمانية عشرة الماضية - يتماشى إلى حدّ كبير مع مقاربة إدارة ترمب حتى الآن.

لكن القلق الحقيقي يتمثل في أن شبكة الأمان - الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية - التي دعمت الاستقرار لن تكون على نفس القدر من القوة هذه المرة. فحكومة نتنياهو المقبلة - علماً بأنه لا يزال الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات مجدداً - قد تعتبر رفض الفلسطينيين المحتم لخطة ترمب للسلام بمثابة ضوء أخضر للبدء بضمّ المستوطنات في الضفة الغربية. وقد تملّ الدول العربية والأوروبية من التصرف كآلة صرف أموال لحل قائم على أساس دولتين، والذي لم تعد واشنطن والقدس تؤمنان به.

وبالفعل، تحذّر «الأونروا» من أنها تعاني مجدداً من نقص التمويل لهذا العام، حيث يواجه مليون شخص في غزة وحدها نقصاً في المواد الغذائية بحلول الشهر المقبل. ومع ذلك، قال جايسون غرينبلات، العضو الثالث في فريق ترمب للسلام، هذا الأسبوع بأنه يجب حلّ هذه الوكالة لأنها «خيّبت آمال الشعب الفلسطيني».

من جهتها، قد تغيّر السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، كما هدّدت مراراً وتكراراً، إستراتيجيتها فتوقف التعاون الأمني مع إسرائيل وتنسحب من اتفاقات طويلة الأمد تمّ الإعلان عنها في «اتفاقيات أوسلو» للسلام عام 1993. وقد غرقت السلطة الفلسطينية في عجز كبير في الموازنة بسبب وقف المساعدات الأميركية، المترافق مع رفضها بشكل منفصل قبول أي تحويلات ضريبية من إسرائيل. فمنذ مطلع العام الحالي، يتقاضى الموظفون الحكوميون، بمن فيهم ضباط الأمن أنفسهم الذين يتعاونون مع إسرائيل، نصف راتب فقط. وتقدّر أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أنه سيكون أمام السلطة الفلسطينية شهرين إلى ثلاثة أشهر فقط قبل بدء الانهيار إذا استمر المسار الحالي. وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية، يعتقد الإسرائيليون أن هناك فرصة ضئيلة لاحتمال رضوخ الرئيس عباس للضغوط الأميركية وموافقته من جديد على خطة السلام.

وإذا كانت إدارة ترمب قلقة (كما ينبغي أن تكون)، فهي لا تُظهر ذلك. فعندما تمّ طرح السيناريو أعلاه على كوشنر أخيراً، والذي يشمل انهيار السلطة الفلسطينية نفسها، تظاهر باللامبالاة قائلاً، «سيحدث ما هو مقدّر»، وكأنه رجل اعتاد أن يتمّ إنقاذه باستمرار.

* صحفي ومحلل سياسي وثقافي متخصص في الشرق الأوسط

* ديلي بيست