تمكن فريق دولي يقوده أستاذ علوم النبات في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية «كاوست» هيربيرت هيرت، من تحديد حلقة مفقودة في المسار الجزيئي المعقد، الذي تقاوم النباتات بموجبه العوامل الممرضة.

تلقيح المحاصيل

بحسب الدراسة، اطلعت عليها «الوطن»، فقد توصل العلماء إلى فك آليات هذا المسار في العديد من النباتات، ولكن ما زالت هناك بعض الحلقات المفقودة، ويعمل العلماء حاليا على اكتشافها بهدف تسليط الضوء على آلية محتملة، يمكن تسخيرها من أجل تلقيح المحاصيل ضد الأمراض.

الجينات المكونة

بينت الدراسة أن آلية الدفاع في النباتات تتحكم فيها الجينات المكونة من الحمض النووي، وذلك من خلال ترميزها للبروتينات، وقد ارتبطت التغيرات الشكلية في بنية الكروماتين، وهي إما تغيرات فوق وراثية، أو وراثية من دون إحداث أي تغيير في تسلسل الحمض النووي نفسه بالتصدي للعامل المُمرِض.

ولفتت إلى أن الكروماتين هو مزيج من الحمض النووي والبروتينات، التي تشكل محتويات نواة الخلية، ووظيفته الأساسية حزم الحمض النووي في أصغر حجم لاحتوائه في الخلية، ويؤثر شكل الكروماتين على كون الجينات متاحة، لبناء البروتين أم لا.

العوامل الممرضة

تنتج العوامل الممرضة جزيئات صغيرة تسمى الأنماط الجزيئية المرتبطة بالميكروبات (MAMPs)، التي تتعرف عليها النباتات عن طريق مستقبِل ثنائي مقترن بالبروتين، لتحدث عملية الاستشعار كالتالي: يستشعر الجزء الأول من المستقبل الثنائي الأنماط الجزيئية خارج الخلية النباتية، ويحفز الثاني داخل الخلية للعمل، هذا الأخير عبارة عن كيناز، وهو الإنزيم الناقل لمجموعات الفوسفات على الجزيئات المستهدفة، ما يُعرف باسم (عملية الفسفرة)، وهي تغيير الشكل التركيبي للبروتين، بحيث تعدِّل من صفاته أو وظيفته، إن هذا النشاط يُعَد الأول في سلسلة عمليات فسفرة الأنماط الجزيئية المرتبطة بالميكروبات والمستهدَفة بين كينازات البروتينات المفعّلة بالميتوجين (MAPKs)، وكان هيرت أول مَن اكتشفها، وذلك في عام 1997.

التغيير فوق الوراثي

ظلت العلاقة غامضة بين كينازات البروتينات المفعلة بالميتوجين والتغيير فوق الوراثي للكروماتين، إلى أن توصل إلى هذه النتيجة الجديدة فريق هيرت، الذي ضم الأستاذ المساعد في الجامعة موسى بن حامد، وعددا من طلبة ما بعد الدكتوراة، وطالب ماجستير من مبادرة الزراعة الصحراوية التابعة للجامعة.

رشاد أذن الفأر

استخدم الباحثون في تجاربهم نباتا يدعى «رشاد أذن الفأر» أو «رشاد ثال»، Arabidopsis thaliana، وهو نبات ضمن الفصيلة الكرنبية، يعده العلماء فأر التجارب النباتي، إذ يُستعمَل نموذجا لدراسات علم النبات والوراثة، عمد الباحثون إلى تفعيل كينازات البروتينات المفعلة بالميتوجين (MAPKs) باستخدام أنماط بكتيرية جزيئية مرتبطة بالميكروبات (MAMPs).

العمليات فوق الجينية

باستخدام إنزيم HD2B الموسوم بالفلورسنت، أظهر الفريق أن فسفرة إنزيم MPK3 تنقل إنزيم HD2B من موقع خلوي إلى آخر، رابطا منطقة مختلفة من الكروماتين.

ويطلق هذا المسار مجموعة واحدة من الجينات ويكبح مجموعة أخرى، محدا تغييرا جذريا في بنية الخلية على المستوى الجزيئي، إن إعادة برمجة العمليات فوق الجينية بهذه الطريقة سريعة ويمكن عكسها، ما يمكن النباتات من الاستجابة السريعة للظروف المتغيرة، والاحتفاظ بذاكرة جزيئية تعزز حدوث استجابة أسرع تجاه العوامل الممرضة، في المستقبل.

آليات ما فوق الجينات

يقول هيرت: إن «آليات ما فوق الجينات هي الآلية المختارة.. تحدث هذه الظاهرة في جميع النباتات تجاوبا مع جميع أنواع الأنماط الجزيئية المرتبطة بالميكروبات والعوامل المُمْرِضة».

إعادة برمجة الكروماتين

ويعتقد هيرت أن آلية إعادة برمجة الكروماتين المفعلة بإنزيم كيناز، تمثل آلية واسعة الانتشار، وأبدى تحمُّسا حيال إمكانيات التحفيز المصطنع لهذه العملية.

يقول هيرت: «عندما نفهم بشكل أفضل آلية تحفيز ذاكرة العوامل الممرضة، نصبح قادرين على تحفيز المقاومة طويلة الأمد، على غرار تطعيم البشر، قائلا: «نحن على أعتاب عهد جديد فيما يتعلق باستقصاء دور علم ما فوق الوراثة في ذاكرة الإجهاد النباتي».