تشير استطلاعات الرأي الخاصة بإعادة انتخابات رئاسة البلدية في إسطنبول إلى تقدّم مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو على مرشح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، رئيس الوزراء السابق بينالي يلدريم (بن علي يلدرم). وعلى الرغم من فوز إمام أوغلو خلال الانتخابات الأولى التي جرت في 31 مارس، إلا أن مجلس الانتخابات في البلاد ألغى النتيجة، بحجة وجود مخالفات تتعلق بتشكيل لجان الاقتراع في بعض مناطق إسطنبول، ودعا إلى إعادة الانتخابات في 23 يونيو.

ونظراً لأن إسطنبول تمثّل ثلث اقتصاد تركيا وأن إردوغان كان عمدة [رئيس بلدية] إسطنبول قبل أن يصبح رئيساً للوزراء عام 2003، فيمكن أن تكون هذه الانتخابات منصة يتحدى من خلالها إمام أوغلو الرئيس إردوغان على الصعيد الوطني. ومع ذلك، فلدى إردوغان - الذي يسيطر على عدد من مؤسسات الدولة، بما فيها كثير من وسائل الإعلام والمحاكم والشرطة ومجالس الانتخابات - خطتان للفوز بمدينة إسطنبول، واحدة صيغت قبل 31 مارس والأخرى بعد هذا التاريخ.

الخطة (أ): الفوز بأصوات السكان عبر مزيج سياسي

تنعكس خطة إردوغان المفضلة للفوز في انتخابات إسطنبول لصالح يلدريم من خلال «مجموعة من الأساليب»: أي مزج أدوات مختلفة مصممة لتحقيق مكاسب تدريجية لصالح مرشحه المفضل بدلاً من لحظة «تحوّل مصيري» كبرى. أولاً، تمّ التعرّض جسدياً لنحو 6 صحفيين تابعين للمعارضة خلال الأسابيع الأخيرة. وعلى الرغم من إلحاق بعض الجروح الخطيرة، إلّا أنه بالكاد تلقّى الفاعلون أي تأنيب؛ وبدلاً من ذلك، منحتهم الشرطة والمحاكم حصانة. وفي غضون ذلك، روّجت روايات كاذبة ومقاطع فيديو تمّ التلاعب بها ونشرها من قبل وسائل الإعلام الموالية لإردوغان، مزاعم بأن إمام أوغلو هو من «أصل يوناني» وبالتالي يجب استبعاده من تولي منصب العمدة.

وهناك أيضاً احتمال في أن يشوب يوم الانتخابات تزوير طفيف للأصوات. وكانت تركيا قد شهدت تصويتاً حراً ونزيهاً منذ عام 1950، ويبدو أن تزويرا واسع النطاق هو خارج نطاق البحث. ومع ذلك، أيّد مجلس الانتخابات إلى حد كبير قرارات إردوغان في الآونة الأخيرة، على غرار قراره الصادر في 6 مايو بإلغاء نتائج التصويت في إسطنبول. وفي 6 يونيو، عزل المجلس 13 من رؤساء الدوائر الـ39 المسؤولين عن عمليات الاقتراع في إسطنبول. وبإمكان المسؤولين عن الانتخابات الخاضعين لإردوغان مساعدته على تغيير النتيجة لصالحه في 23 يونيو إذا كان الفارق بين إمام أوغلو ويلدريم ضئيلاً مرة أخرى، (وفقاً لبعض التقارير كان هذا الفارق حوالي 13000 صوت في مارس).

فضلاً عن ذلك، يمكن للعمليات العسكرية التركية المستمرة والناجحة ضدّ «حزب العمال الكردستاني»، وهو جماعة مصنّفة كإرهابية، أن تقدّم دعماً إضافياً لمعسكر إردوغان. كما يمكن أن يكون لـ «أزمات الأمن القومي» المختلفة التأثير نفسه - فعلى سبيل المثال، صراع أوسع نطاقاً بين القوات التركية والقبرصية اليونانية في شرق المتوسط، حيث دخلت الدولتان في خلاف في الآونة الأخيرة بشأن التنقيب عن الغاز الطبيعي. لكن إذا ما استثنينا مثل هذه الحوادث غير المتوقعة، من المفترض أن يأمل إردوغان أن تساعده سيطرته على المؤسسات التركية - بما فيها «وكالة الأناضول للأنباء» شبه الرسمية، وهي الهيئة الوحيدة المخوّلة بالإعلان عن نتائج الانتخابات - على التلاعب بالنتيجة لصالح يلدريم.

وعلى الرغم من عدم التناسق بين موارد المرشحَيْن، قد تكون «الخطة أ» التي وضعها إردوغان قد ساعدت عن غير قصد على خلق «إردوغان جديد» من إمام أوغلو الذي ينبغي تحليل نجاحه في إطار سياق صعود الرئيس التركي الخاص في تركيا. تجدر الإشارة إلى أن إردوغان قد وُلد في أحد أحياء إسطنبول ضمن الطبقة العاملة عام 1954. وقامت علامته السياسية الأولية على تصوير نفسه من المستضعفين الفقراء والمتدينين في تركيا، التي كانت تحصر في ذلك الوقت السلطة السياسية بالأشخاص الراغبين في التعبير عن ديانتهم صراحةً. وبعدما اعتنق الإسلام السياسي ودخل معترك السياسة الوطنية في تسعينيات القرن الماضي كعمدة إسطنبول، نجح من خلال الدفاع عن مصالح «المقترعين المتدينين من عامة الشعب» في وجه «المؤسسة العلمانية». وقد ساعد ذلك، من جملة أمور أخرى، «حزب العدالة والتنمية» الذي ينتمي إليه على الفوز بالانتخابات البرلمانية في تركيا عام 2002، مما رفعه إلى منصب رئيس الوزراء، ورئيس البلاد في وقت لاحق.

وطوال عقد من الزمن بعد عام 2002، أجرى إردوغان تغييرات في تركيا. فقد آمن برؤية تطلعية للبلاد، مشيراً إلى قدرته على تجاوز التحديات الأكثر إلحاحاً، بدءاً بالقضية الكردية مروراً بالفساد وانتهاءً بسوء الإدارة الاقتصادية، وهذا ما فعلَه. ولهذا السبب، دعمه الكثير من الناخبين وأيدوا حزبه في صناديق الاقتراع.

لكن الوضع تغيّر الآن. فقد حكم إردوغان تركيا فترة 16 عاماً وأصبح السياسي الأكثر نفوذاً في البلاد في التاريخ المعاصر. كما أن هناك ما يقرب من 31 مليون تركي، أي حوالي 40 % من السكان، قد بلغوا السنّ القانونية للاقتراع خلال عهده. ويحمّله عدد من هؤلاء مسؤولية المشاكل التي تعانيها البلاد حالياً، مثل تجدّد الصراع مع «حزب العمال الكردستاني»، والاقتصاد المنهار، والبيئة القمعية تجاه المعارضة.

* مؤلف كتاب «إمبراطورية إردوغان: تركيا وسياسة الشرق الأوسط».

* معهد واشنطن