ما زال النظام الإيراني يلعب بالنار، ويمارس لعبته الخطرة التي تهدد بتحويل العالم بأسره إلى مرجل يغلي، وهو يتجرأ على تهديد حركة الملاحة في الممرات المائية العالمية، ويقوم بأعمال عدائية ضد ناقلات النفط العالمية، إضافة إلى قيامه في وقت سابق بالاعتداء على 4 سفن تجارية بالقرب من ميناء الفجيرة الإماراتي، كما استهدف -عبر عميله الحوثي- مرافق نفطية سعودية. ووصلت درجة تهور ذلك النظام -مؤخرا- حد الاعتداء المباشر أواسط الأسبوع الماضي على ناقلتين عملاقتين في خليج عمان.

ومع أن مثل تلك الممارسات غير مستغربة من النظام المارق الذي اعتاد مثل تلك الأفعال، إلا أن الملاحظ هذه المرة هو تقارب التوقيت بين تلك العمليات الإرهابية الثلاث، إذ لم يفرق بينها أكثر من شهر، وهو مؤشر يوضح بجلاء حجم الضغوط التي يواجهها ذلك النظام، بعد أن دخل اقتصاده مرحلة الانهيار الفعلي جراء العقوبات الأميركية المتلاحقة، وهو ما يؤكد أن طهران باتت لا تستطيع الانتظار فترة أطول بسبب قوة تلك الضغوط، لذلك بدأت تسابق الوقت للإتيان بتصرفات طائشة، علّها تنجح في إخافة دول العالم كلها، وتخفيف العقوبات الأميركية على اقتصادها المنهار، أو على أقل تقدير الاكتفاء بما تم فرضه حتى الآن، دون مزيد من العقوبات.

ولعل النظام الغارق في أوهامه قرر الانتحار على طريقة «عَلَيّ وعلى أعدائي» واختار تفجير المنطقة بأسرها، ووقف تصدير النفط إلى الأسواق العالمية، لا سيما بعد تصريح رئيسه حسن روحاني الذي قال فيه، إن بلاده لن تسمح بتصدير النفط الخليجي عبر البحار، إذا لم تتمكن إيران من تصدير نفطها، وهو ما يمثل اعترافا صريحا.

وهو بهذا الأسلوب من التفكير يكون قد ارتكب حماقة بالغة، لأن تهديد الملاحة العالمية في هذه المنطقة التي تمد العالم بالملايين من براميل النفط يوميا، هو أمر لا يمكن التسامح معه، لأن الأسعار ستشهد ارتفاعا جنونيا، عطفا على ارتفاع قيمة التأمين والترحيل وسائر جوانب التكلفة، مما سيعني أن الاقتصاد العالمي سيتأثر بتلك المؤثرات، ويدخل دوامة من الانكماش وتباطؤ النمو.

ولعل أكبر إدانة للنظام الإيراني أنه بمجرد وقوع الحادث الأخير، سارعت عدد من دول العالم إلى توجيه أصابع الاتهام إلى طهران، لأنها السبب الرئيس في حالة عدم الاستقرار، وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، إن بلاده على ثقة من وقوف إيران خلف الهجوم، استنادا إلى معلومات مخابراتية توضح أن نوع الأسلحة وأسلوب الهجوم، ومستوى الخبرة اللازمة لتنفيذ مثل هذه العملية، والهجمات التي شهدتها المنطقة في السابق على قطاع الشحن، تؤكد هذه الحقيقة.

من العناصر التي تلفت النظر بشدة، أن الهجوم الذي استهدف ناقلتي النفط وهما تحملان ملايين البراميل إلى اليابان، التي كان رئيس وزرائها شينزو آبي في زيارة إلى طهران وهو يقود وساطة بينها وبين واشنطن، وهو ما مثَّل إهانة كبرى للمسؤول الكبير، وتسبّب له في حرج بالغ، وهذا التصرف له احتمالان لا ثالث لهما: إما أن الهجوم وقع بمعرفة الحكومة الإيرانية نفسها، وأنها أرادت إيقاع المسؤول الياباني في الحرج، وتقديم رفضها للوساطة بصورة عملية، أو أن بعض الدوائر المتشددة مثل الحرس الثوري أرادت توجيه رسالة حازمة للرئيس حسن روحاني، ووزير خارجيته محمد ظريف، لإرغامهما على الاستمرار في خانة الموقف المتعنت.

وأيا كانت الحقيقة، فما حدث يمثل سقطة دبلوماسية كبرى غير مستغربة من نظام الملالي.

بالتوازي مع مساعي تهديد الملاحة في الممرات العالمية، ارتكبت ميليشيات الحوثيين حماقة أخرى ستضعها في مواجهة المجتمع الدولي بأسره، وذلك بالإقدام على إطلاق صاروخ استهدف مطار أبها الإقليمي، وهي جريمة دولية متكاملة الأركان، لا تتسامح معها المؤسسات الدولية التي تشكل منظومة النظام العالمي الجديد، لأنها تعرّض أرواح المدنيين لمخاطر بالغة، وظهر ذلك جليا في التنديد الدولي الواسع بهذه الجريمة، والبيانات المتعددة التي أصدرتها المؤسسات الدولية المعنية، والتي وصلت حد الدعوة لعقد جلسة خاصة في مجلس الأمن لإصدار ما يتناسب مع هذه الجريمة من عقوبات دولية، تستهدف جماعة الحوثيين والنظام الإيراني الداعم لها، والذي يمدها بالصواريخ والطائرات المسيّرة، بل ويشرف على تشغيلها وتوجيهها.

الجانب الذي ينبغي تأمله بعمق، هو طريقة تعامل المملكة وبقية الدول المتأثرة من تلك التصرفات الإيرانية الطائشة، وهو تعامل يبتعد عن منطق ردود الفعل المتشنجة، ويميل نحو المؤسسية وإشراك المنظمات الدولية العالمية في إيجاد الحلول المناسبة، وفضح التجاوزات والانتهاكات، وهو ما يزيد من تشديد الخناق على طهران، ويؤدي بالتالي إلى فرض مزيد من العقوبات عليها. ومؤكدٌ أن هذه السياسة المعتدلة التي تسير بوتيرة هادئة هي السبب في حالة الهيجان التي يعانيها نظام الملالي، والتي تتجلى بوضوح في تصريحات مسؤوليه الانفعالية، بينما يقابل الجانب الآخر تلك التصريحات بهدوء بالغ، مؤكدا أن أمام إيران خيارات محددة، إما وقف ممارساتها العدائية، والاعتراف بأخطائها، ووقف محاولات الحصول على سلاح نووي، والالتزام بسياسات حسن الجوار، أو المضي في طريق اللا عودة، واختيار أسلوب الانتحار، سياسيا واقتصاديا، وهي خيارات أحلاها مر على طهران، كما يقال.

ولأن هذه التجاوزات لن تمر مرور الكرام، ولن يتغاضى عنها المجتمع الدولي نتيجة لما ذكر من أسباب، فإن المطلوب الآن هو تحرك أكثر جدية من مجلس الأمن الدولي، وموقف صارم من الدول دائمة العضوية، بعيدا عن الحسابات السياسية، ودون مساومات أو موازنات، لأن الأضرار التي ستحدث على الاقتصاد العالمي، في حال اندلاع أعمال شغب على نطاق واسع في الممرات المائية، ووجود حالة من الفوضى في منطقة الشرق الأوسط ستؤثر حتما على عمليات وصول النفط إلى الأسواق العالمية، وهذا الوضع سيتأثر به الجميع دون استثناء.