في كتاب تطور الفكر الإداري المعاصر للدكتور إبراهيم المنيف، جاء فصل كامل عن نظريات القيادة، إذ صنفها المؤلف إلى 10 نظريات، شدتني منها نظرية وارن بينيس، وهو من أشهر أساتذة الإدارة في أميركا، وله ما لا يقل عن 20 كتابا، أحدها بمسمى «القيادة»، وبتأليف مشترك مع أحد الباحثين.

يقول المؤلف في تفصيله لهذه النظرية في هذا الكتاب، إن «وارن بينيس» ركّز إستراتيجيته في القيادة على 4 محاور:

تركيز الاهتمام: بحيث أن القائد يركّز أحاسيسه على ما يجري حوله، ويستلهم من الأحداث المحيطة ما هو مهم لمستقبل منظمته، وبالتالي يوجّه مخيلته إلى ما سيكون عليه المستقبل.

التركيز على المعنى في الاتصال والإقناع: بحيث إن القائد تكون لديه القدرة الفائقة على إيصال المعنى المطلوب لتصوراته المستقبلية لأهدافه المتكونة في ذهنه إلى أتباعه، عبر الحديث، والإشارات، والعرض الصوري، وبناء النماذج، وبذلك يسهل عليه تكوين القناعة التامة في عقولهم بأفكاره وأهدافه ومشاريعه.

تكوين الثقة المؤسسية: يصف «بينيس» الثقة المؤسسية بأنها تماثل الزيوت التي تحرك الآلة بيسر وسهولة، وتتكون الثقة المؤسسية عبر عناصر غير مرئية، أهمها الالتزامية التي يبنيها القائد من يومه الأول ويستمر عليها، حتى يصل إلى الدرجة التي من الممكن أن يتنبأ الآخرون بما ستتخذه منظمته من أعمال مستقبلية، وأهم ركائزها الاستقامة والصدق.

إحداث القدوة الفاعلة: وذلك عبر 5 ممارسات. أولا: القدرة الهائلة على قبول شخصيات المساعدين والأتباع. ثانيا: القدرة على الاقتراب والمفاتحة للموضوعات مع المساعدين من منظور المستقبل، ودون النظر إلى الماضي بما فيه من أخطاء. ثالثا: القدرة على إيجاد العدالة والتوازن في المعاملة مع المقربين من القائد. رابعا: القدرة على إعطاء الثقة للمساعدين، حتى إذا كان ذلك على حساب المخاطرة المحسوبة. خامسا: الثقة بالمصادقة اللاحقة، أي بمعنى إعطاء التفويض للموظفين بالعمل التنفيذي لإنجازه، مع متابعته ومصادقته على أعمالهم في فترات لاحقة.

ومع القراءة المستمرة في هذا العلم، فإني أفكر دائما، ماذا تعني كلمة «القيادة» بالنسبة لي أنا كقارئ ومتتبع له، من أجل أن أوظف مستقبلاً هذه المعلومات والأفكار لإنجاح الأعمال والمشاريع التي سأقوم بالعمل عليها، لو أتاح الزمن لي الفرصة.

بتأملاتي المطولة للقياديين عبر قراءة كثير من كتب السير الذاتية، واطّلاعي على الكتب المتخصصة، توصلت إلى الاعتقاد بأن القائد الفذّ، إذا جاء في وقته ومكانه المناسبَين، فإنه بالضرورة لا بد من أن تتحرك وتتجاوب معه 3 دوائر:

الدائرة الأولى: دائرة القياديين والمديرين الملاصقين له مباشرة «الوزراء إذا كان رئيسا / النواب إذا كان وزيرا / مديرو القطاعات إذا كان تنفيذيا لشركة». عندما يأتي القائد العظيم لمنظمة ما خلفا لمن سبقه، فإنه يبدأ بطرح رؤاه وأفكاره ومشاريعه على هذه الدائرة القريبة، وبالتالي فإنه يتحرك بسرعة فائقة، ويبدأ بتحريك هذه الدائرة معه. ومن الطبيعي أن القياديين والإداريين المتكلّسين الذين قبعوا في منطقة الراحة قبل قدومه، بالضرورة لن يمكنهم مجاراته والاستمرار معه، ولذلك سيتطايرون لتحل محلهم شخصيات ديناميكية مع هذا القائد السريع والفعّال في الأداء والنتائج.

في اعتقادي، هذه الدائرة تتحرك من اليوم الأول لتوليه زمام القيادة.

الدائرة الثانية: هي دائرة المستهدفين الأساس أعمال هذا القائد «الشعب والمقيمون إذا كان رئيسا / المواطنون إذا كان وزيرا / الزبائن إذا كان تنفيذيا لشركة».

هذه الدائرة تتحرك من سنة إلى ثلاث سنوات، لأنها تجد الصعوبة في تقبل أفكاره المختلفة عما سبق أن تعوّدوا عليه، وبالتالي فإن التغيير لا يبدأ بسهولة، ولكن -ومع رؤية المستفيدين للنتائج والمكاسب التي يحققها- فإنهم يبدؤون بالتحرك والتغير وملاحقة المنجزات التي يحصدها ذلك القائد، للفوز بأفضل المكاسب التي ستحدث مستقبلا. الدائرة الثالثة: هي الدائرة الملاصقة للبيئة الخارجية للمنظمة «الدول المجاورة إذا كان رئيسا / الوزراء الآخرون إذا كان وزيرا / مديرو الشركات المنافسة إذا كان تنفيذيا لشركة». هذه الدائرة في اعتقادي تتحرك من 3 إلى 5 سنوات، وذلك لأن مراقبتهم للأجواء التي بدأت تتغير في طريقة العمل العامة، وبالتالي تحقيق منظمة القائد الجديد لنتائج إيجابية، ونمو متتابع نتيجة تغيير قواعد اللعبة من جديد، حسبما يراه هو. ولأنهم يخشون التخلف عنه، والذي يعني تضاعف مساحات الفراغ بينه وبينهم في المنافسة على الريادة، فإنهم يضطرون إلى البدء في التغيير والتحسين في منظماتهم، بما يرون أنه سيتناسب مع التغييرات التي يقودها هذا القائد الجديد في منظمته.

عزيزي القارئ، هذه هي قراءتي وفلسفتي الخاصة التي أعتقدها للقيادة، وتتأكد لدي بشكل أكبر عندما أطبقها على الأعمال والأساليب والنتائج التي عملها ويعملها الأمير محمد بن سلمان.

كم عدد الوزراء والمسؤولين الشباب الذين دخلوا في مسيرة العمل الحكومي بعد توليه؟ ما التغييرات الجذرية التي رآها السعوديون بعد أول سنة من تطبيق الرؤية، وكيف تحركوا معه ليواكبوا رؤيته؟ ما حجم التغييرات التي حصلت في دول العالم العربي والإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط بعد توليه زمام المبادرة، في تغيير واقعها إلى الأفضل؟

ولا أحتاج يا عزيزي، أن أذكرك بكثير من المقاطع التي انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي -وبشكل عفوي في بعض دول العالم العربي- عن رغبة بعض مواطنيها في صنع نماذج لمحمد بن سلمان لديهم، في معرض حديثهم عن التنمية والتطوير ومحاربة الفساد.