لم أكره شيئا ككرهي لكلمة «الحرية والعدالة» عندما تخرج من فم الإخوان المسلمين والسرورية، وعيونهم تقطر بدموع التماسيح.

فعن أي حرية يتحدثون وهم سادة في الاغتيال السياسي، وسفك دم الشعوب والرؤساء. فالمفكر الذي يكتب ضد «أفكارهم» زنديق مرتد يحل قتله، ورئيس الدولة الذي لا يسير على هواهم «طاغية» يجب اغتياله أو الثورة عليه، فهم مبتدأ الحق ومنتهاه، فعن أي حرية يتحدثون. رأينا مواهبهم السياسية في أرض الواقع عندما حكموا مصر العروبة، فانقلبوا على كل حزب تحالف معهم، وركبوا على ظهر الشارع المصري، بعنجهية الجاهل الأحمق، هم خزي السياسة إذا انتصروا، ونواح الثكلى إذا انهزموا، معبودهم «كرسي الحكم» مهما التحفوا من آيات وأحاديث.

الحرية والعدالة ينطق بها أي مواطن عربي من الخليج إلى المحيط، إلا أنتم أيها الإخوان المسلمون، لأن «المواطن» العربي إذا قال: أريد الحرية والعدالة، فهو يريدها لنفسه ولمجتمعه صادقا محقا، كمطالب لتطوير المنظومة القانونية والتشريعية في أي بلد هو فيه، عينه على الأنظمة والقوانين يريدها أن تتطور، والعين الأخرى على دولته يريدها أن تزيد عزّا وقوة. أما أنتم أيها «الإخوان المسلمون» فما طلبتم حرية إلا رجاء للفوضى وخلطا للأوراق، ولا طلبتم عدلاً إلا بقيم مدنية حديثة لم تؤمنوا بها يوما واحدا، لا في ميثاقكم ولا في أضابيركم السرّية.

وأقصد بالحرية والعدل منظومة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية التي وقّعتها الدول العربية، بل تعيشون ثقافة القرون الوسطى، بين الدعوة السرّية والدعوة الجهرية، ووهم ما قبل التمكين وما بعد التمكين، فأنتم خارج التاريخ، تنافقون المواطنين السذّج من أبناء أوطانكم التي خرجتم عليها بقاموس الحرية والعدالة والمساواة، وأنتم تعلمون أنكم أول الكافرين بدلالاتها العميقة والحضارية عبر التاريخ الإنساني الحديث، لأنها لا تتناسق أبدا مع دستور جماعتكم القروسطي المتخلف.

الحرية والعدالة تستحقونها إذا فهمتم معنى الوطن والمواطن، تشرحون لنا الفرق بين «المساكنة» و«المواطنة» وأنتم تستبدلون جنسيتكم العربية الأعلى والأقوى بجنسيةٍ عربيةٍ أدنى، فلم تعنيكم معاييركم، بقدر ما يعنيكم تصديق الجماهير لكم، وإلا لما كنتم أول الراسبين فيما تقولون.

المواطن في السعودية أو الكويت أو المغرب أو تونس، هو مواطن يعيش مفاهيم مواطنته وفق المخرجات التي تخص وطنه، ووفق التطور الخاص بها، فتاريخ مصر في المواطنة يختلف عن تاريخ المغرب، ومثله تاريخ فرنسا عن تاريخ اليابان أو بريطانيا، والنمو الطبيعي للمفاهيم داخل كل دولة يعود إلى ثقافتها العامة ولا يعود إلى حزب عابر للهوية الوطنية والقومية بشكل مافيوي أخرق، عبر أكثر المكاتب انتشارا حول العالم، كما لو كانت أوكارا لمافيا تنشر الشر والخراب والتآمر.

القفز على المصطلحات «الحرية والعدالة» والتلاعب بها لتحريك الشارع، لا شرف فيه، الشرف في نشر ثقافة الحرية والعدالة دون تجييش أو تشويش على السلم الاجتماعي، فلا يوجد زعيم عاقل على وجه الأرض يتمنى أن يكون شعبه مجموعة من العبيد والمرتزقة والمطبلين، لأنه في الأصل منهم وبهم، ولا يوجد مواطن عاقل يريد ضياع بوصلة القوة من يد دولته لمصلحة ميليشيات داخلية أو قوى خارجية.

«الحرية والعدالة» لا تكون أبدا بلا ضلعها الثالث «الأمن»، ولا أمن حقيقيا دون حرية وعدالة، فلماذا تتحدثون عن ضلعين من أضلاع المثلث الوطني وتتركون الضلع الثالث عامدين؟، لأن الدولة الحرة العادلة آمنة، وإخوان المسلمين هؤلاء لا يريدون شعوبا في دول، ولا يريدون ثورة حقيقية في وطن متماسك، بل يريدون شيئا من الفوضى المصطنعة التي يستطيعون خلالها الركوب على ظهر الشعب، فالثورات الحقيقية انقلاب على المفاهيم القديمة. ومفاهيم الإخوان المسلمين مفاهيم تنتمي إلى القرون الوسطى وقد تجاوزها الزمن، وإن زوّقوها برطانة المصطلحات الحديثة، فعن أي ثورة وثوار يتحدث الإخوان، سوى فوضى يركبون موجتها لأنهم عرابون في فوضى الشوارع والإخلال بأمن المجتمعات وسكينتها.

الإخوان سادة في المغالطات، يتهمون السعودية بكلمة الوهابية، والوهابية تاريخ كتابه مفتوح، وابن سعود كتبه ناصعا براية خضراء مرفوعة عزّا وفخرا، بمشروع التوحيد السياسي العظيم، والشيعة على اختلاف مذاهبهم الإثني عشرية والإسماعيلية مواطنون سعوديون، منهم من هو في أعلى منصب سياسي «وزير»، ومنهم من هو وهي عضو في مجلس الشورى، ومن هو في أعلى ميادين الشرف والبطولة «جندي على الحدود»، فعن أي إقصاء يتحدث الواهمون، ودفاتر الواقع خير شاهد على عظمة وعبقرية عبدالعزيز بن عبدالرحمن، رحمه الله. دُفِن جسده بلا قُبةٍ على قبره ولا ضريح، تلك حقيقة التوحيد العظيمة في الإسلام، وتبقى سيرته حتى بعد وفاته، دليلا على حقيقة التوحيد بمعنييه «الديني والسياسي»، وما زاد عن ذلك من جهل الأتباع والمعتقدين في المجدد محمد بن عبدالوهاب، فلا شاهد عليه سوى أفعالهم الخاصة التي تحسب عليهم وعلى كتبهم، وليس على دولةٍ سمَّت زوار الحرمين من كل بقاع العالم «ضيوف الرحمن»، وقدمت لهم الرعاية وحسن الضيافة، دون تمييز على اختلاف مذاهبهم ومعتقداتهم.

قيح القلوب عند الإخوان لا يغسله سوى دخول العصر الحديث وفهم معنى الوطن، ومعنى الدولة الإقليمية، ومعنى سيادة الدولة، المتضمن حقها في احتكار القوة، وغيرها من مفاهيم قد يرددها الإخواني بلسانه معتذرا في لقاء تلفزيوني عن صحونجية سلفت. فالقوة إن احتكرتها الدولة عدّه طغيانا، وإن شاركها فيه عدّه منهجا نبويا يصفي به خصومه، فحتى صاحب الوزارات والسفارات سليل الخدمة الخالصة لهذا الوطن «غازي القصيبي» كان مرمى لسهامهم القذرة، فكيف برواد الفكر فينا «محمد العلي، تركي الحمد، سعيد السريحي، محمد زايد الألمعي... إلخ»، حتى رؤساء تحرير هذه الجريدة من قينان إلى عثمان، عاشوا قلقهم الخاص من دويلة الإخوان التي افتعلوها داخل الدولة في عقود مضت.

قبل الثورة السياسية والاجتماعية التي قام بها محمد بن سلمان، كانت قرارات الدولة تختطف باتجاه أجندة إخوانية، فحتى الحرب في اليمن التي قررتها الدولة لاستعادة الشرعية، وفق قرارات وتحالف دولي، يأتي الإخوان فيضعونها في إطار طائفي ضيق، ومثلها من قبل مواقفهم وخناجرهم المسمومة التي يصطنعونها ضد أي قرار تنموي، ولو كان في سبيل توفير الوظائف لأبنائنا وبناتنا، عاشوا بعقل الذباب الذي لا يقع على الورد، ويكرر الارتطام بالنافذة جاهلا بمعنى الباب، لم ينالوا شرف النحلة ولا حاولوه، رغم إحسان الظن بهم لعقود مضت من أعمار الشعوب ولن تعود، هم فكرة أصبحت «عار التاريخ» وسنغسل عار هذه الفكرة عن عقول أبناء هذا الوطن. وختاما، قبلة على جبين أقدم المحاربين.. «خالد الفيصل».