لم يفاجئ التقرير الذي أصدرته مقررة الأمم المتحدة الخاصة بالإعدام خارج نطاق القضاء آغنيس كالامار، حول قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، رحمه الله، أحداً ولم يثر دهشة المراقبين، على الرغم مما احتواه من مغالطات للواقع، وسرد غير أمين لما حدث، وتصورات خاطئة من وحي خيال كاتبته، واعتماده على قرائن واهية، وذرائع أبعد ما تكون عن العمل القانوني الذي يفترض مراعاة العديد من الجوانب المهنية. لذلك استقبلته الأوساط السعودية الرسمية بالسخرية، وكان وقعه على كل من طالعه عاديا، كأنه لم يكن ولم يحدث.

هذا الواقع فرضته اعتبارات عديدة، في مقدمتها أن من أعدت التقرير كانت معروفة مسبقا بأن لها مواقف معادية للمملكة، حيث سبق أن أطلقت العديد من التصريحات المناوئة، التي تنضح بالحقد المتولد من مواقف شخصية غير معلومة، ورغبة جارفة في تزييف الواقع وتحوير الحقائق وصرفها عن سياقها الطبيعي، وقامت في اليوم الثالث من وقوع الجريمة ببث تغريدات منحازة على موقع تويتر تحمل وجهة نظرها الذاتية، واحتوت على الكثير من الإساءات والانتقادات المتحاملة على المملكة ونظامها القضائي، وهذا يمنح السلطات السعودية الحق في اتخاذ الإجراءات القانونية للرد عليها، لذلك كان غريبا أن توكل لها مهمة إعداد هذا التقرير.

كذلك تفوهت آغنيس بالعديد من التناقضات التي تصب في خانة العداء الشديد للسعودية ولكل ما هو سعودي، لدرجة أن التقرير الذي يفترض أن يكون مهنيا وتستخدم فيه لغة قانونية رصينة، بعيدة عن التحامل، جاء محشوا بعبارات عاطفية تكيل الاتهامات للمملكة دون سند أو دليل، وهو ما يتعارض مع مدونة قواعد السلوك التي تفرض عليها نمطا معينا من الالتزام بتقييم محايد للوقائع، والتمسك بالثوابت التي يفترض توفرها في من يتولى القيام بمثل هذا العمل، مثل الابتعاد عن التصورات الشخصية، وعدم الانسياق وراء العواطف والمشاعر الخاصة، والاستماع لكافة الأطراف ذات الصلة بالقضية، وهو ما لم يحدث البتة.

التقرير بصورة إجمالية لم يحمل جديدا، وكان مجرد تكرار لمزاعم قديمة ظل الكثيرون يثيرونها ويرددونها دون أن يمتلكوا عليها دليلا واحدا، لذلك فهو من الناحية القانونية لا يساوي شيئا ولا يعتد به، لأنه عبارة عن مجموعة استنتاجات لا يعيرها القانون الدولي اهتماما أو اعتبارا. فهو من حيث البناء القانوني ضعيف وهش، كما افتقر إلى إحدى أبرز المتطلبات القضائية وهي إيراد القرائن التي اعتمد عليها لإصدار حكمه، فهو يشير في كثير من فقراته وبنوده إلى جهات غير معلومة ولم يقم بتحديدها أو تسميتها، مما يؤكد أنه بني على مجرد تقارير صحفية وأقوال مرسلة. ولكل ما سبق فإن التحيز متوفر في من قامت بإعداده، وهو ما يقدح في مصداقيتها وينسف نزاهة التقرير بصورة تامة.

ومن هذا المنطلق فهي ليست مؤهلة للقيام بمثل هذه المهمة، بسبب انعدام الاستقلالية والحيادية الواجب توفرها في من يتولون أمر التحقيق في شأن قانوني عام. ولذلك أرى ألا يعطى هذا التقرير أكبر من حجمه، لأنه ليس صادرا عن جهة اعتبارية، فالسيدة كالامار خبيرة مستقلة وليست ممثلة للأمم المتحدة، كما يزعم بعض من لا يحيطون بحقيقة الوضع، وتقريرها نفسه ليس رسمياً، وغير صادر عن المنظمة الدولية. وكذلك فإن التقرير أبعد ما يكون عن العمل القانوني، إذ احتوى على كثير من التناقضات ويحمل في جوفه ادعاءات لا أساس لها من الصحة، مما يطعن أيضا في مصداقيته. والأكيد أن أصوات الدول العاقلة أعضاء مجلس حقوق لن تدعم تقريراً يفتقر للشروط العلمية، ولذلك سيدخل هذا التقرير دائرة النسيان.

لكل ما تقدم فإنني أطالب بشدة بعدم الالتفات للأصوات المنحازة أو الرجوع إلى الوراء، لأن المملكة أظهرت كافة أبعاد هذه القضية، وأحالت بصورة فورية كافة من حامت حولهم الشبهات إلى محاكمة عاجلة، وقطعت أشواطا بعيدة في سبيل إيقاع العقاب الرادع بحقهم، والمحاكمات المتعلقة بهذه القضية تجري بصورة منتظمة، ويحضرها مندوبون عن الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافة إلى تركيا بوصفها الدولة التي وقعت فيها الجريمة، وكذلك العديد من المنظمات الحقوقية السعودية، وهي محاكمات تستوفي - بشهادة الكثيرين - المعايير العالمية الواجب توفرها في سبيل الوصول إلى الحقيقة ومعاقبة الجناة وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.

بل إن السلطات السعودية بادرت من تلقاء نفسها، بالنأي بهذه القضية عن التوظيف السياسي أو الإعلامي، ومواصلة لنهجها في التعاون مع الآليات الدولية والثوابت والأعراف ذات الصلة، بتزويد المفوضة السامية لحقوق الإنسان، السيدة ميشيل باشليت، في الثالث من الشهر الجاري بتقرير مرحلي مفصل عن القضية، حرصا على تمليكها كافة الحقائق، وتأكيد توفر الشفافية والنزاهة، لكن للأسف الشديد فقد تجاهلت آغنيس كل تلك الجهود لأسباب تخصها وأشياء في نفسها، ولم تشر لها من قريب أو بعيد.

أخيرا نكرر القول إن مثل هذا التقرير وكافة ما يشابهه ليس سوى حلقة جديدة في مسلسل استهداف واضح لهذه البلاد، ورغبة في إيقاف توجهها القوي نحو تحديث مجتمعها واقتصادها. وكافة ما يصدر عن هؤلاء لن يثني بالقطع قيادتنا الرشيدة عن توجهاتها، ولن يفلح في وقفها، فالمملكة ستواصل بإذن الله مسيرتها الراسخة والممتدة في الالتزام بكافة المواثيق والعهود المرعية، والتقيد الكامل بمبادئ القانون الدولي، وستمضي في ذات الوقت في تحقيق النجاحات، ولن تلقي بالا لكل من يسعى لتشويه صورتها الناصعة، فكل تلك المحاولات محكوم عليها بالفشل، لأنها أشبه ما تكون بمحاولة حجب ضوء الشمس بغربال قديم مهترئ.