في 5 يونيو، قدم رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلي تامير هيمان، لمحة عامة عن الأحداث في المنطقة في مركز التراث الإسرائيلي. قال هيمان، متحدثاً إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: «إذا كنت تبحث عن زعيم عالمي يتحدث إلى الجميع بلا استثناء، فلا تنظر إلى أبعد من اللاعب الروسي. إذ إن هيمنة روسيا على المنطقة نراها بشكل ملموس؛ تحرص روسيا وبشكل متعمد على الاحتكاك المباشر مع الأطراف، ثم تسعى بعد ذلك إلى أن تكون مفيدة في حلها من خلال وجودها في المنطقة». ومن المقرر أن يجتمع مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف ورئيس مجلس الأمن الإسرائيلي مائير بن شبات 24 يونيو الجاري، في قمتهم «الأمنية» في القدس لمناقشة نظام ما بعد الحرب في سورية، والأزمة المتعلقة بإيران والتي يبدو أنها ستطول.
مواقف الدول المشاركة في القمة

أميركا

- تجنب موضوعات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

- التركيز على تقليص الدور الإيراني في سورية

روسيا

- التحوط في أن تكون طرفًا مباشرًا في نزاع أميركي إسرائيلي محتمل مع إيران.

- توقعات بأن يخرج الاجتماع بنتائج متواضعة بشأن الإنجازات المحتملة منه.

إسرائيل

- رسالة استراتيجية لإيران بأن إسرائيل جزء من الترتيبات بسورية

- سيستخدمها نتنياهو للاستفادة من آفاقه الانتخابية.
قمة أمنية

01 بالنسبة للولايات المتحدة، فإنها لن تلّوح في هذه المحطة بموضوعات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، ولا بنقل سفارتها للقدس، ولا خطة السلام الأميركية في البحرين، فهذه ليست على جدول أعمال بولتون. ولكنها ستركز غالباً على النفوذ الإيراني في سورية، وعلى الاتفاقية الإيرانية الجديدة.

02 بالنسبة لإسرائيل، فهذا حدث مجنون. إذ إن هذه القمة المثيرة للاهتمام، كانت قد وُصفت بحماس في إسرائيل على أنها «قمة أمنية»، لكن موسكو قللت من أهميتها ومنحتها وصف «مشاورات خبراء» فحسب.

03 ذكر مصدر دفاعي إسرائيلي للمونيتور الروسية: «ليس لدي كلمات وافية لوصف هذا الحدث، صحيح أنه في هذه المرحلة، تكمن أهمية الحدث في رسم القرار فحسب وليس تنفيذه، ولكن فكر في الأمر، فبعد مرور خمسين عامًا على موضوع القدس، نجمع بين رؤساء المجالس الأمنية للدول العظمى نناقش الترتيبات الخاصة بسورية بعد الحرب، ونحن كجزء من هذه العملية».

04 هناك إجماع استباقي في إسرائيل على أن القمة تعد إنجازًا هائلاً لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ورسالة إسرائيلية إستراتيجية لإيران وبقية الشرق الأوسط بأن إسرائيل جزء من محور القوى العاملة معًا من أجل ترتيبات جديدة.

05 ولكن أيضا من المرجح أن تلمّع القمة القادمة حملة إعادة انتخاب نتنياهو قبيل تصويت 17 سبتمبر. وفي الحقيقة فالقمة لم تكن حيلة لما قبل الانتخابات، لكن نتنياهو سيستخدمها بلا شك للاستفادة من آفاقه الانتخابية.

06 بقدر ما يبدو المنظار المقترح هذا عادياً بالنسبة لروسيا، وهي مُرتكز الحديث في هذا المقال، فالأمر أعمق من ذلك ومن أوجه عدة. فالروس يتطلعون إلى الاجتماع ولكن بتوقعات متواضعة بشأن الإنجازات المحتملة منه.

القضايا المحيطة بإيران

01 وفي حين أن روسيا قد رغبت في أكثر من مناسبة بكبح نفوذ إيران غير المنضبط في سورية، وغير راضية عن بعض التحركات الإيرانية «مثل تأمين وجود بحري ليس بعيدًا عن القاعدة الروسية في طرطوس»، فسيكون من المحرج حقًا مناقشة القضايا المحيطة بإيران بمعيّتها. إذ تعلم روسيا جيداً بأن الإسرائيليين والأميركيين سيحاولون وضع أجندة صارمة ضد إيران شريكتها الإقليمية.

02 المتوقع من روسيا خلال هذا التنسيق الثلاثي هو ترتيبها لبلوغ نتيجة فرعية للقاء بين النظراء في روسيا مع الولايات المتحدة في قمة العشرين في أوساكا.

03 قد تؤدي المحادثات في القدس إلى فتح صفحة جديدة إيجابية ما بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الشرق الأوسط، وسيستمر بكونه مجالًا يمكن من خلاله لموسكو وواشنطن أن تواصلا اتصالاتهما عن طريقه، على الأقل لتجنب الصدامات العسكرية فيه وتفاهمات نفطية مقبولة.

التوقعات

01 مما نرى فإن واشنطن تبني توقعات لبعض «المقترحات الروسية» لتقليص دور إيران في سورية، وهو مطلب روسي أوّلي. لكن من المتوقع أن تصاب واشنطن بخيبة أمل. إذ لن تتجاوز موسكو على الأغلب الوعود التي قطعتها على ترمب في هلسنكي العام الماضي لإبقاء قوات البروكسي الإيرانية على بعد 80 كيلومتراً على الأقل من الحدود الإسرائيلية.

02 اللامتوقع من قبل روسيا هو أنها ستقف متفرجة أو محايدة لو نشب أي نزاع مع إيران يتجاوز موضوع النزاع الاقتصادي إلى العسكري في حال استمر هذا الحال التحفّزي لفترة، ولهذا مسوغاته الروسية. ففي 18 يونيو، كان قد أدلى نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف، بتصريح حاد اللهجة ينتقد فيه سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران.

03 من بين ما قاله نائب وزير الخارجية ريابكوف إنه: «وفقًا للقانون الدولي، يجب على الولايات المتحدة أن تستأنف على الفور احترام التزاماتها بموجب الاتفاق، وأن تزيل جميع العقوبات المفروضة على إيران. وإن التهديدات بتنفيذ العقوبات ضد البلدان التي تمتثل لقرارات مجلس الأمن الدولي تفوق المنطق السليم». كما أنه أردف قائلا، إن روسيا مستعدة لمساعدة إيران في تصدير النفط وقطاعها المصرفي إذا لم يتم إطلاق نظام المدفوعات الأوروبي لإنقاذ الصفقة.

تقييم الصراع العسكري

01 قد يكون البعض في طهران ساخطين بشكل ضمني من موسكو لعدم اتخاذها مواقف أكثر صراحة تؤيد فيها إيران. ففي مايو، قال بوتين إن روسيا ليست «فرقة إطفاء» لإنقاذ هذه الصفقة أو تلك، في إشارة إلى المسؤولية الفردية لكل طرف في الاتفاق النووي للوفاء بالتزاماته. لكن موسكو تسعى إلى التحوط في رهاناتها ولا ترغب في أن تكون طرفًا مباشرًا في نزاع أميركي إسرائيلي محتمل مع إيران.

02 إنما من الواضح أن روسيا لن تتخلى عن دور كونها «فريق إسعاف» على الأقل بتعبير الكاتب الروسي ماكسيم سوتشكوف الباحث في فالداي، وعلى استعداد لتقديم الدعم اقتصاديا وعسكريا. في الوقت الحالي، فإن المنطق الذي تتبناه موسكو هو أن الصراع العسكري لا يخدم مصالح الولايات المتحدة حتى.

03 ويخلص إلى أنه إذا كان الهدف النهائي هو إعادة إيران إلى مدار النفوذ الأميركي، فإن الصراع العسكري قد لا يضمن بالضرورة مثل هذه النتيجة. وإذا كان الهدف من الحرب هو تغيير طهران لسلوكها، فقد يحدث هذا بالفعل، ولكن بثمن باهظ بشكل يضر بالمنطقة وللموارد الأميركية.

الابتعاد عن السلبية

01 الجليّ أن مساهمات روسيا النشطة في السياسة العالمية التي تمظهرت في السنوات الأخيرة بعيدة كل البعد عن السلبية النسبية التي ميزت رد فعل موسكو على الحرب اليوغوسلافية أو الغزو الأميركي للعراق. لذلك، فلن يكون الأمر مفاجئاً إذا قررت روسيا اتخاذ خطوات تتجاوز التدابير الدبلوماسية لحماية مصالحها في الشرق الأوسط، بما في ذلك مساعدة إيران اقتصادياً وعسكريًا خصوصا بعد تصريح ريابكوف.

02 إن الإخفاق في إظهار درجة كبيرة من المشاركة في الأزمة الناشئة سوف يضر بشكل كبير بمكانة روسيا ويقوض وضعها كقوة عظمى. وكقرار متخذ ومستمر المفاعيل، فقد قامت موسكو وطهران قبل أعوام بإضفاء درجة تنظيمية بطابع مؤسسي على تنسيقهما العسكري من خلال كمية غير مسبوقة من الاتصالات العسكرية والاستخباراتية الرفيعة المستوى.

03 ومنذ عام 2011، تطور التعاون الروسي الإيراني من خلال ثلاث فئات رئيسية. مبيعات الأسلحة، وأبرزها تسليم أنظمة S-300؛ وتبادل المعلومات الاستخباراتية على معارك داعش والمعارك السورية؛ ثم التعاون التشغيلي بشكل رئيسي في شكل تنسيق المعركة والعمليات العسكرية المشتركة في سورية.

خيارات محددة

01 هذه الركائز الفريدة للتفاعل بين البلدين، مصحوبة باللجان المشتركة لتسهيلهما، من المرجح أن تكون العتبة التي ستقف عليها روسيا في النزاع الأميركي الإيراني. قد يكون الخيار الأول لموسكو في الرد على التصعيد بين إيران والولايات المتحدة، هو تعزيز وتحسين قدرات نظام الدفاع الجوي الإيراني، وليس الهجوم.

02 المتوقع أيضا كخيار ممكن، هو المساعدة الروسية بالنشر العسكري فحسب، فقد أثبتت روسيا، مؤخرًا، أنها مستعدة لنشر وحدات عسكرية محدودة في البلدان المتنازع عليها من أجل مكافحة التهديدات التي تهدد مصالحها. وكنموذج عليها هناك حالة توبوليف 160 وانتشار القوة المحدود في فنزويلا التي قامت بها، مؤخراً.

03 الجانب المتوقع الآخر، فيمكن لروسيا أن تستفيد من مصافحة الولايات المتحدة، صحيح أن استغلالها لعزل إيران وتحجيم تنافسيتها الاقتصادي قد يحدث، لكنه لن يكون غاية.

الصفقة الكبرى

01 يذكر الباحث فلاديمير فرولوف في «ذا موسكو تايمز» أن «موسكو لن تمانع في مساعدة ترمب، لكنها لا تستطيع أن تكون بمثابة مزود للخدمات الجيوسياسية المجانية لواشنطن في المنطقة».

02 هناك تكهنات كثيرة حول «الصفقة الكبرى» التي تدفع روسيا لطرد إيران من سورية، مقابل اعتراف الولايات المتحدة وإسرائيل بالنظام السوري ورفع العقوبات عنه، وفتح الأبواب أمام تمويل إعادة الإعمار. إنما روسيا لن تعرض إيران لخطر مباشر دون أن تسندها بشكل أو بآخر.

03 روسيا يدها ممتدة للمساعدة بالفعل، حتى للولايات المتحدة، وبشهادة الأخيرة، فعندما أتى بومبيو لرؤية بوتين الشهر الماضي، أشاد بالمساعدة الروسية في جلب إيران وكوريا الشمالية إلى طاولة المفاوضات مع إدارة ترمب، فضلاً عن هندسة تسوية سياسية في فنزويلا.

04 لكن روسيا لن تنسى حصتها من هذا كله، فيما يتعلق باقتصادها هي والعقوبات عليها، وفيما يخص مركزها السياسي كقوة معتبرة في المجتمع الدولي.