1- تستضيف بعض وسائلنا الإعلامية الفضائية ضيوفا دائمين أو متكررين، يتحدثون في كل شيء، ومع الأسف فكلام بعضهم فيه اندفاع وعدم فقهٍ للمآلات، ولا اتزان في الطرح، فتكون النتائج حينئذٍ سلبية، لا سيما إذا كان الحديث عن قضايا سياسية حساسة، ونحن نعلم أن قضايا بلادنا عادلة بحمد الله، لا يحتاج المتحدث عنها إلى صخب وضجيج، وسب وشتم للآخرين، وإنما فقط يحتاج بيان الحق بدليله وحجته، بأسلوب هادئ متزن.

كما لا حاجة لاستعداء خصومٍ جدد، لا ناقة لهم في الأحداث ولا جمل، وإذا كان بالمثال يتضح المقال، فإني أقول:

لا ريب أن نظام إيران طغى وبغى وأكثر في الأرض الفساد والإفساد، فكان من الحكمة ذكر المعلومات بالحقائق والأرقام -وهي كثيرة جدا- تدل على دعمه الإرهاب، وإشعاله الفتن في الدول العربية، لكن بعض إخواننا المتحدثين في وسائل الإعلام، يصبون جام غضبهم على جنس الفرس من الشعب الإيراني، وهذا في نظري خطأ متكرر من بعضهم في بعض البرامج الحوارية، وهو دال على ضحالةٍ في الفكر، وضيقٍ في الأفق، وإلا فخلافنا إنما هو مع نظام إيران، ومن يعينه على جرائمه، فليس من الحكمة استعداء الشعب الذي ربما يتفق معنا في التأذّي من نظام الخميني، ويتمنى زواله، وليس من الحكمة كذلك الطعن في جنسهم الفارسي، فوضعهم والحالة هذه في كفة واحدة مع النظام، ليس في مصلحة بلادنا، وإنما في مصلحة نظام الخميني الظالم. ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أثنى على رجالٍ من فارس، فقال كما في صحيح مسلم: "لو كان الإيمان بالثريّا لناله رجالٌ من فارس"، فالجنس لا علاقة له بالمناقشات السياسية، ولا يُعيَّر الإنسان بجنسه، فالعبرة بالأعمال لا بالأنساب، ومن أحسن عمله، لم يضره نسبه.

2- من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة قولهم: "ونرى الجماعة حقا وصوابا، والفُرقة زيغا وعذابا"، وهذا الأصل العظيم تدل على أهميته: النصوص الشرعية، والآثار السلفية، والحوادث التاريخية، ومع ذلك فهو غير معمول به عند بعض من يزعمون أنهم هم فقط الذين لديهم وطنية وصدق انتماء، ولهذا نجدهم يرمون الفتيل هنا وهناك، ويزايدون على انتماء مواطنين أكثر حبّا منهم لدينهم ووطنهم وقيادتهم، وهذا المسلك خطير، ويؤدي إلى التشظي والانقسام والفتن، الذي نهى عنه الشرع، ونهى عنه كذلك النظام الأساسي للحكم الذي جاء فيه ما نصه "تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي إلى الفرقة والفتنة والانقسام".

والملاحظ أن كثيرا ممن هذا دأبه، لو سئلوا عن مستندهم الذي يصكون به إخوانهم المواطنين صك الجندل، لفغروا أفواههم، وتراجعوا عن دعواهم، لأنه ليس عندهم إلا الظن والهوى، وتصفية الحسابات، والمآرب الدنيوية، ولهذا فإني أقول: إن قضايا الوطن ليست محلا للارتزاق وما تهوى الأنفس، فعلى الإنسان أن يتكلم بما يجمع الكلمة، ويُوحِّد الصف، ويعيد القلوب النافرة إلى جماعة المسلمين وإمامهم، وإلا فحسبه السكوت إن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، وأما من تيقن بأن أحدا يسيء إلى الوطن، فإن عليه -والحالة هذه- أن يُبلِّغ عنه جهات الاختصاص، ويرد عليه بما يبطل شره، فإن ذلك واجبٌ عليه، لأن الوطن هو سفينتنا، ولا نسمح لأحد كائنا من كان أن يخرق سفينتنا، أما القال والقيل والاتهامات التي لا دليل عليها، فإنها تضر ولا تنفع.