لفهم ما يحدث في سورية اليوم، على المرء أن يشخّص أولاً الأسباب الجذرية للصراع. فنظام بشّار الأسد يستخدم في أساسه، العنف وسلطة الأقلية الطائفية للحفاظ على حكمه، فيتكيّف مع الظروف الجديدة حسب الحاجة. وتبقى السلطة الحقيقية مركَّزة في أيدي عائلته، في حين اختفى «حزب البعث» تقريباً ويستمر تراجع دور القوات العسكرية في الحكم. وبدلاً منهما، ركّز النظام على تقوية النظام الرأسمالي المحبب، وأجهزة المخابرات، ونظام السجون.

ومع ذلك، لا يزال يتعين على النظام التعامل مع قضايا الشرعية. فباعتقاده أن أغلبية سكان سورية التي تتألف من المسلمين السنة لن تقبل أبداً حكم الأسد، الذي ركز مع أوساطه على الحفاظ على السلطة باستخدام القوة والقمع. وتساعد الحاجة إلى الشرعية أيضاً في توضيح سبب شعوره بأنه مرغم على استعادة مزيد من الأراضي المفقودة خلال الحرب؛ ولهذا السبب يتوق إلى استعادة محافظة إدلب بمساعدة روسيا.

وهناك تبعات أخرى أيضاً ناتجة عن اعتماد الأسد المتزايد على روسيا - إلى جانب إيران و«حزب الله». فلموسكو وطهران عدد من المصالح المشتركة في سورية، ويعتمد الكرملين على الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران للحفاظ على الاستقرار هناك. وقد يختلف البلدان بشأن مستقبل سورية، لكن من غير المرجح أن يعرّضا علاقتهما للخطر في الوقت الراهن.

وعلى وجه الخصوص، تخشى موسكو من أن التصعيد غير المنضبط بين إيران وإسرائيل قد يعرض استقرار سورية للخطر. وللاستمرار في التمكن من إدارة هذه المواجهات، اتّخذ فلاديمير بوتين خطوتين أساسيتين هما: السماح لإسرائيل باتخاذ تدابير من وقت لآخر ضد التوسع العسكري الإيراني في سورية، وإعادة بناء الجيش السوري من أجل إنهاء اعتماد الأسد على إيران ووكلائها. وبالنسبة إلى المفاوضات القادمة بين الولايات المتحدة وروسيا في القدس، فمن المرجح أن تطالب موسكو بالتطبيع الأميركي مع دمشق مقابل الوعود الروسية بالتعامل مع وجود إيران في المستقبل.

أمّا بالنسبة إلى إعادة الإعمار، فإن الوضع الحالي في سورية يجعل من الصعب على الغرب الانخراط في أي مبادرات مشابهة هناك. وكان عدم رد الغرب على انتهاكات الأسد في وقتٍ مبكرٍ من الحرب قد علّم النظام أنّه لا يوجد حدود [للعواقب] التي يمكن أن يُفلت منها، بينما اندفع أكثر باتجاه المعسكر الروسي - الإيراني. لذلك ستحتاج الولايات المتحدة والحكومات الأخرى إلى التحلي بالصبر في المرحلة القادمة. وأدّى تواجد القوات الأميركية في شمال شرق سورية إلى نتائج إيجابية في مواجهة داعش، وفي المستقبل، سيمنح هذا التواجد نفسه ميّزة عسكرية محليّة لواشنطن وسيساعد على التوسط في التوترات بين تركيا والأكراد السوريين.

* سفير فرنسي سابق في سورية (2006 - 2009)

ـ مؤلف كتاب (ليل سورية الطويل)

* معهد واشنطن