شدتني صورة الأمير تركي بن طلال، التي جاءت بعد الاعتداء الحوثي على مطار أبها. وقوفه على الموقع، وحضوره العملي أعطى الناس الإيحاء بحيوية الإدارة المحلية وديناميكيتها في التفاعل مع المواقف الطارئة والحساسة. مشهد جلوسه بطمأنينة وهدوء، أضفى أبعاداً تطمينية وقتها للسكان والمقيمين، وامتد إلى كل الوطن حينها بفعل وسائل التواصل. هذا المشهد يقودني للحديث عن موضوع مقارب جداً منه.

أنطلق في مقالي هذا بناءً على ما ورد في المادة السابعة من نظام المناطق المعمول به حالياً، والمتكون من 10 فقرات، والذي هو موجه في صياغته إلى أمراء المناطق حفظهم الله، ولكن باعتقادي أن المسؤول عن تفعيله هم المحافظون في المحافظات المتعددة، والذي أرى بأن استيعابهم لهذه المادة بالذات سوف يجعل الفرق كبيراً على أرض الواقع.

بحثي هذا عن نظام أعمال الإدارة المحلية جاء بعد تأملي في علاقتي كمواطن مع جهات الإدارة المحلية في المحافظة التي أسكن بها، لا أذكر أنني دخلت مبنى المحافظة إلا مرة أو مرتين على أقصى تقدير، وإذا كنت أبالغ فسأقول ثلاث. طبعاً، هذا أمر رائع من ناحية أتمتة الأعمال الحكومية، ولكنه غير رائع من ناحية تسيير الرأي العام للنسيج السكاني والاجتماعي في المحافظة. من المؤسف أن يعيش محافظو المحافظات في مكاتبهم الفخمة ومبانيهم الجميلة بعيداً عن التفاعلات مع المواطنين والمقيمين. حضورهم فقط يكون من خلال المناسبات الرسمية، ويرتكز بشكل أساس على حفظ الأمن فقط. بكل صراحة، لو كان في المحافظة محافظ يتواجد وبشكل دائم في كل الأماكن الحيوية وفي كل الأوقات، لما وجدت أن هناك مطالب تخرج دائماً في تويتر لتطالب الجهات المعنية (الصحية، البلدية، التعليمية، الخدماتية... الخ) بأن تتكرم بإنهاء موضوع عالق أو مشكلة تأخر حلها، هذا فضلاً عن البحث عن إدارة التنمية المستدامة في المحافظة.

تواجد المحافظ الدائم وتحركه وتفاعله مع الناس، يعطي الضوء الأخضر للمواطنين والمقيمين بأن ينفتحوا عليه ويطالبوه بالتحسين والرفع من جودة حياتهم في محافظته، هذا التفاعل والتبادل في العلاقة بينه وبينهم، سوف يجعل منهم عيونه الرقابية الدائمة والمتيقظة طوال اليوم وعلى مدار الأسبوع وفي كل أرجاء المحافظة، وبالتالي فإن رقابتهم التي تمده دوماً بالمعلومات المؤكدة، سوف تترجم لتصبح أعمالاً وجهوداً ملموسة، يتوجب على مسؤولي الدوائر الخدمية المرتبطين به، أن يعطوه أقصى طاقة ممكنة في جهاتهم، لأنهم يدركون أن عدم تفاعلهم معه سوف يضطره للرفع للمسؤولين عن النقص التنموي في محافظته، مما يجعل الوزير المسؤول عن هذه الدائرة على معرفة تامة بكل ما ينقص هذه المحافظة أو تلك باحتياجاتها.

إذاً، التفاعل من المحافظ سوف يرفع جودة عدد من الأمور منها: الاتصال الجيد مع الناس، التواصل المستمر مع المسؤولين في محافظته، الرقابة الدائمة والشاملة على الأعمال المقدمة من الجهات الحكومية في محافظته، الجودة في التقارير المرفوعة لأمير المنطقة، الواقعية في تقييم المواقف داخل المحافظة، تذليل العقبات بين الجهات داخل المحافظة بفضل دفع العمليات التنسيقية بينها.

هناك أمر آخر أود أن لا أنتهي من هذا المقال إلا وقد أشبعته بالحديث. حسب النظام فإن معايير تعيين المحافظين تتم بأمر من رئيس مجلس الوزراء بناءً على توصية من وزير الداخلية، ويكون له وكيل يعيّن بقرار من وزير الداخلية بناءً على توصية من أمير المنطقة. إذاً تعيين المحافظين يتم بترشيحهم من قبل أمير المنطقة، وهذا أمر رائع، لأنه بالتأكيد أن أمراء المناطق هم المباشرون على العمل المحلي، وبالتالي فإن اختياراتهم ستكون دائماً للأجدر فعلاً بإدارة المحافظات التابعة لهم. ولكن، أمير المنطقة في النهاية هو بشر. محافظو المحافظات عند اختيارهم يجب أن يكونوا واحداً من ثلاثة: الأول: أن يكونوا متخصصين في الإدارة العامة، وذلك لأنهم أقرب الناس تفهماً لأعمال بيئة الإدارة المحلية. الثاني: أن يكونوا متخصصين في العلوم الاجتماعية، وذلك لمعرفتهم بطريقة تفاعلات البيئات الاجتماعية في البلدان والحواضر. الثالث: أن يكونوا من كبار الضباط الذين أداروا القواعد والمدن العسكرية، لأن لديهم الخلفية الانضباطية لإدارة التحديات الدائمة في التجمعات السكانية.

ومع هذا المعيار المبدئي، فإنه لا بد ومن الضرورة بمكان، أن يكون هناك مبادرة من وزارة الداخلية بصناعة برنامج تدريبي لمدة عام بالتعاون مع معهد الإدارة العامة، يكون أساسه تطوير وتدريب المحافظين ووكلائهم، سواءً من هم على رأس العمل أو من سوف يدخلون الإدارة المحلية، على طريقة إدارة الحشود والأزمات، وعلى طريقة التعامل مع التحديات والتغييرات الدائمة والمستمرة. خصوصاً وأننا أمام برامج في الرؤية تتداخل وبشكل كبير مع العمل الإداري المحلي، برنامج جودة الحياة على سبيل المثال.