بدايةً، أتمنى أن يُفهم من قِبل كثيرين أن نقدنا لهيئة الترفيه، لا يعني أننا ضد الترفيه الذي نعلم جميعنا أنه ضرورة وحاجة نفسية واجتماعية، ومطلب اقتصادي وسياحي مهمّان، ولهذا فنحن نقدر لهيئة الترفيه محاولاتها تقديم أنشطة وبرامج تصبّ في خانة الترفيه الحقيقي والمطلوب، وإن كانت آمال الناس عريضة فهم المستفيدون، لكن لا يجب أن تصبح الهيئة في مفهوم البعض فوق النقد، وأن تكون في منأى عن نقد أنشطتها، أو يصبح كل من ينتقد برامجها ويكتب عنها منتقدا، رجعيّ ومتخلف أو صحونجي في رأي البعض، وأنه ضد الفرح. فكما تناولنا مرافق حكومية بالنقد عندما نرى أنها بحاجة إلى النقد والكتابة عنها، والنقد ضرورة، كذلك نريد أن نصل بالهيئة خلال نقدنا إلى العمل الصحيح، لتخرج بنتائج وأهداف تخدم الوطن والمجتمع بشكل عام، خلال ما تقدمه وفق خطة منظمة وأهداف محددة، مراعية أولا قيم الوطن الغالي على الجميع، وإلا ستكثر الأخطاء، وسنجد من يحاول استغلال تصاريحها التي حصل عليها ليقيم فعاليات مخالفة لسياسة ومنهج الوطن الواضحين، لأنه يعلم أن الهيئة في منأى عن النقد.

ولعلنا شاهدنا كم تدخلت هيئة الترفيه -غير مرة- لإلغاء فعاليات خرجت عن ضوابطها، وكان تدخّلها جيدا، ووجد الترحيب لثقتنا في صدق مواطنة من يرأسها، إلا أنه يجب أن تحاسب تلك الجهات التي تنظم برامج ترفيهية وأنشطة سياحية مخالفة، بما يكفل عدم تكرار «استغلال تراخيص الهيئة»، سواء كان المنظمون هؤلاء أشخاصا أو مؤسسات سعودية أو أجنبية، خصوصا إذا خالفت تلك الفعاليات ثوابت المجتمع وقيمه الدينية والوطنية والاجتماعية، وأن تبقى هذه الثوابت خطا أحمر لا يجب تجاوزه. وكذلك يجب أن يفهم من يقف وراء الفعاليات المخالفة، ماذا يعني وطن اسمه المملكة، وما المكانة التي يتسم بها الوطن عن كل أوطان الدنيا، وهي المكانة التي دائما ما يؤكد عليها ولاة أمرنا -حفظهم الله- عليها في كل مناسبة وطنية.

نحن لا نريد -حقيقةً- خلال تلك الفعاليات والمخالفات أو الأخطاء التي قد تخرج عن المسار الوطني السليم، أن نعطي أعداءنا فرصة للنيل من بلادنا، وتحويلها إلى اقتناصات إعلامية يقيمون حولها برامجهم ونشرات أخبارهم، وعناوين يسعون إلى تشويه صورة الوطن عبرها، خاصة ونحن في وسط ظروف تعيشها المنطقة لم تعد خافية على أحد، وفي ظل أحداث تشهدها، مع وجود متربصين وأعداء وعصابات وميليشيات إرهابية، تريد أن تعصف بأمن المنطقة واستقرارها.

وأنا أكتب هذا المقال، لدي ثقة في أن المسؤولين عن هيئة الترفيه، يهمهم أن يسمعوا ممن يصدقهم في النقد والنصيحة، أكثر من المادحين لهم الذين يحاولون استخدام هيئة الترفيه عصاة لتخويف من ينتقدها. فالوطن بحاجة اليوم إلى أن تكون الهيئة سندا خلال ما تقدمه من أنشطة ترفيهية، ومن برامج تسعد المواطن والمقيم، وأعلم أيضا أن مسؤوليها لن يشعروا بحرج أو تكون لديهم حساسية من النقد أو رفضه، خاصة أنهم دعوا عبر مواقعهم -وفي مناسبات كثيرة- إلى أن كل من لديه القدرة على تقديم المقترحات والملاحظات والنقد إلى هيئة الترفيه، أن يقدمها.

أتمنى أن تتجه برامج وفعاليات الهيئة نحو تراثنا لتفتش في دفاتره، فالحفلات الغنائية لا تعني كل الترفيه، خاصة والمهتمون بها شريحة معينة، وهنا لا أدعو إلى إلغائها -كما يفعل البعض- لأن حضورها من عدمه تحكمه قناعات لدى كل شخص هو مسؤول عنها، لكن المطلوب البحث عما تريده الشريحة الواسعة في المجتمع من برامج ترفيهية تستطيع التفاعل معها حين تجذبهم على كل مستوياتهم وشرائحهم وأعمارهم، ويمكن للهيئة استقاء أفكار ترفيهية من الدول المجاورة لنا. فالترفيه في مفهومه الشامل هو الذي يلبي احتياجات الصغار والكبار، مثل وجود مسابقات رياضية متنوعة، ومهرجانات تسويقية، ومسارح فنية، وندوات تثقيفية، ومتاحف وطنية تحكي تاريخ الوطن للأجيال الحاضرة التي تجهل تاريخها، ومواقع للتنزه مخدومة سياحيا وترفيهيا، وحدائق ذات طابع جمالي وتعليمي وتثقيفي، وأندية ثلجية ومائية، وإن كان البعض يرى ما ذكرت أنها تتبع مرفق السياحة، إلا أنها صلب الترفيه السياحي الذي يذهب السعوديون من أجله إلى دول خارجية. ثم إننا بحاجة إلى «صناعة بنية ترفيهية محلية» في متناول الجميع، كي لا يصبح الترفيه مكلفا، ويشكل عبئا ثقيلا على ميزانية الأسرة. ترفيه محلي يكشف المواهب الوطنية والكنوز الأثرية، ويعمّق القيم والمواطنة والارتباط بثقافة الوطن وهويته، ويغنينا عن استيراد الترفيه الخارجي المكلف ماديا، والقادم بثقافة وهوية قد لا تكونان متوافقتين مع ثقافتنا وهويتنا، فمن الأهمية بمكان -اليوم- المحافظة على ثقافتنا وهويتنا، في زمن يشهد حرب الهويات والثقافات.

فالغزو الفكري لم يتوقف، وهناك من يستغل وسائل الإعلام الجديد في الحروب الفكرية التي قد تفوق الحروب العسكرية تدميرا.