وصلني خطاب من وزارة الشؤون الإسلامية يتضمن اختياري لإلقاء محاضرة للخطباء والدعاة بعنوان (رؤية المملكة 2030 ودور الدعاة والخطباء في تحقيقها)، وقد تم ذلك بالفعل، ولي مع هذا الموضوع وتلك المحاضرة وقفات:

الأولى: شكر وزير الشؤون الإسلامية ونائبه على عنايتهما بهذا الموضوع؛ لأن رؤية المملكة الاستشرافية هي تخطيط لمصلحة البلاد والعباد، وما كان كذلك فأولى الناس بالحديث عنه هم الدعاة والخطباء، ولا يُلتَفت إلى أهل الأهواء الذين يفصلون الدين عن الدولة والحياة، وكأن الشريعة لا يتعدى دورها المساجد فقط، ولا شأن لها في الأمور الحياتية، كلا، الشرع تبيان لكل شيء، قال تعالى (وأنزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء)، ويأمر بالعمل وإعداد القوة، وحتى لو قامت الساعة وفي يد أحدنا فسيلة فنحن مأمورون بغرسها، ففي الحديث (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها). وقد ذكر الله لنا في كتابه الكريم الرؤية الاقتصادية لنبيه يوسف عليه الصلاة والسلام، وهو أنه وضع تخطيطا دقيقا، ورؤية اقتصادية نافعة، لمعالجة ما قد يحدث من ضعف الإنتاج في السنين الشداد، فكانت مدة الإنتاج العالي جداً محددة بسبع سنوات، وتضمنت الخطة جودة الإنتاج وسرعته لزيادة الطاقة الإنتاجية، مع مراعاة الوعي الادخاري، والمخزون الاحتياطي، وفي ذلك قال يوسف لقومه كما ذكر الله عنه في كتابه (تزرعون سبع سنين دأَبا) فقوله: دأبا، أي متواصلا، ليكون ذلك استثماراً للإمكانات المتاحة، وليكون رصيداً احتياطيا في حال جفت الآبار، وقلّت المياه، ثم أكمل (فما حصدتم فذروه في سنبله) وفي هذا حفظٌ للاحتياطي، وذلك بأن يتركوه في سنبله لئلا يصيبه السوس والفساد، ليكون ادخارا لسنوات القحط والحاجة، وحتى في سنوات الخصب والنماء اقتضت الخطة أن يقتصدوا ولا يسرفوا كما في قوله (إلا قليلا مما تحصنون) أي: كثير ذروه في سنبله، واحتفظوا به رصيدا احتياطياً، والقليل خذوه واستفيدوا منه.

وإذا كان هذا التخطيط لمصالح الناس الدينية والدنيوية هو شأن الأنبياء، فإن ولاة أمور المسلمين بعدهم يسلكون منهجهم، فالإسلام نظم حياة الناس في دينهم ودنياهم، وأمرهم بأخذ الأسباب النافعة، والعمل الدؤوب المحكم، ولهذا كانت خطط الأنبياء الاقتصادية غاية في الروعة والدقة، وإذا كان الأنبياء معصومين كما هو معلوم، فإن ولاة أمور المسلمين ليسوا كذلك، ولذلك فهم يراجعون خططهم ورؤاهم، ويضعون لها مؤشرات الأداء، فما كان صوابا فإنه يُعزز، وما كان خطأً فإنه يُعالج ويُصحح.

ولا ريب أن رؤية المملكة 2030 هي في صالح الوطن والمواطن؛ لأن من ليس له هدف ولا رؤية فإنه ضائع لا يعرف أين اتجاهه، وسيكون معرضاً لمشكلاتٍ لم يستعد لعلاجها.

إن النقل الصحيح والعقل الصريح يقتضيان أخذ الأسباب النافعة في تحقيق مصالح البلاد والعباد، وهذا بحمد الله ما فعله ولاة أمرنا في هذه الرؤية المباركة، مما يحتم على الجميع - لا سيما الدعاة والخطباء - دعمها، وتحقيق أهدافها.

الثانية: هذه الرؤية قامت على أسس قوية وثابتة وهي العمق العربي والإسلامي، والقوة الاستثمارية، وأهمية الموقع الجغرافي الإستراتيجي، وتتضمن برامج طموحة في التحول الوطني وريادة الشركات الوطنية، وتحقيق التوازن المالي، وتطوير القطاع المالي والإسكان، وجودة الحياة والتخصيص، وتعزيز الشخصية السعودية، وتطوير الصناعة الوطنية والشراكات الإستراتيجية، وبرنامج خدمة ضيوف الرحمن الذي يقدم رؤية إستراتيجية متكاملة لتطوير منظومة الحج والعمرة، مستهدفة زيادة الطاقة الاستيعابية لاستقبال ضيوف الرحمن المعتمرين من 8 ملايين إلى 15 مليون مسلم بحلول عام 1442 (2020)، ثم الخطوة الأكبر والأهم بزيادتهم إلى 30 مليون معتمر بحلول عام 1452 (2030).

وهذه الرؤى والبرامج التي تستشرف المستقبل، وتخدم البلاد والعباد، تسر كل محب لدينه ووطنه.

ومن هنا يأتي دور الداعية والخطيب وغيرهما لدعم هذه الرؤية وبيان ثمراتها الطيبة للناس، فنحن مع دولتنا، وما سلكت الدولة فجاً فيه صلاح البلاد والعباد إلا سلكناه معها.

الثالثة: لا يصح أن تُختزل هذه الرؤية المباركة التي تهدف لجعل بلادنا نموذجا ناجحاً ورائداً في العالم، لا يصح أن تُختزل بما قد يقع من مخالفات في تطبيق بعض البرامج والفعاليات الترفيهية وغيرها، فالأنظمة في الرؤية نصّت على مراعاة القيم الإسلامية، والثقافة الاجتماعية، وعدم الإخلال بالآداب الإسلامية، فإذا وقع خطأ في التطبيق فإنه يُعالج، وقد رأينا أن هناك تصاريح سُحبت ممن تجاوز في التطبيق في أي فعالية، والمقصود أن هذه رؤية مباركة لا يصح أن يشوش عليها أحد.

وقد قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان «لا بد أن تخضع البرامج المنبثقة من الرؤية للتحديث والتعديل وفق ما قد يظهر عند التطبيق».

الرابعة: مداخلات الدعاة الرسميين والخطباء غاية في الأهمية، ودعمهم للرؤية وسعيهم في تحقيق أهدافها لا يستغرب منهم، فقد أثبتوا الصدق والولاء للدين والوطن والقيادة في كل وقت.