من أنت؟ تبدو مسألة استفهامية سمحة لينة! ولكن الحقيقة غير ذلك، فهي قد تكون مستغلقة وممتنعة. أنت لست فقط «فلان بن فلان الفلاني» أنت قصة ليس بالهين أن نكشف مطلعك، وريعان «جيناتك» المتسلسلة منذ أقدم العصور، وعصي علينا أيضا معرفة نهايتك. «في كل عصر سوف تبدو قصة *** مجهولة العنوان».

منذ مطلع التسعينات والعلماء اتفقوا على أن 70 % من التباين في معدل الذكاء، والمقاييس الأخرى للشخصية والمرتبطة بالمصالح المهنية والمواقف الاجتماعية، يرتبط بالاختلاف الجيني.

وبالتالي «الجينات خطيرة»، أي أن اختلاف سلوكيات المجتمع الشرقي أو المجتمع الغربي، أو حتى مختلف الطبقات الاجتماعية في المجتمع الواحد، ليست فقط نتاج المؤثرات الزمانية والمكانية والبيئية، بل روايتك مصفدة بتسلسلك الجيني وحامضك النووي الذي تحمله في كل خلية داخلك!

من أين جاءت؟ روى الراوي لنا خبراً بأنها من سلالات ابن مسحوت، أما ابن مسحوت فالنسابة اتفقوا على أنه جاء من أصلاب ابن مغلوت، على هونك، يا عزيزي.. رويدك، مهلاً، إن للحق عصبة، وما منهم إلا وبالحق صادع.

أنا لا أقصد أن تتنصل من مسؤولياتك، وتلقي العبء على جينات أجدادك! فالعديد من النظريات تبين أن الجينات تساهم في خلق البيئات! أي أن جينك يثير شهيتك للانخراط في محيط معين، والتفاعل معه أكثر من غيرك. لذا ينبغي التنبه إلى ما تتفاعل معه أحماضك النووية وأي البيئات تعزز طبيعتك الفردية. وبالتالي ما الذي تزاوله وتمارسه؟ وبمن تمتزج وتألف؟ ومن تساكن؟ وأين تبيت كل يوم؟ يرسم نهجاً لأجيال من بعدك!

«عجل وحدد ما تريد، وضع زمانك أو مكانك». من أنت؟

أنت إجابة تستمر، باجتهادك، وتجاربك وكدحك كل يوم، بنقاشك، وتفاوضك مع كل شيء حتى لو كنت فقط تستخدم لغتك لمحاورة نفسك!

ماهيتك بدأت منذ زمن، وبمشيئة الله، ولكن اختيار دروبك بإرادتك، اشترك في تحديدك وتخصيصك. أمك وأبوك بالطبع كان لهما دور عملاق في كتابة «تعريفك»، ولا يمكن أن يندثر ذلك حتى بعد اضمحلال ذاكرتك في فترة الطفولة أو الشباب.

وبالتالي، أسرتك الصغيرة تعني الكثير، سواء التي تفرعت منها أو التي تتفرع منك، وجودهم ساهم في إثراء من أنت؟!

قد تقول الأغلبية لديهم أمهات وآباء، إذاً ما الجديد؟! سأذكرك بتلك المقولة «جميع الأسماك تعيش في الماء، ويجب أن تعيش في الماء»، ولكن لذلك الماء تأثير لا يمكن أن نتجاهله!.

الجميع يساهم بين الحين والآخر، في أرواحنا وجيناتنا، ونحن بدورنا جزء من صياغة منهج الآخرين، ونوفر دعماً لذلك الحامض النووي ليقدم نفسه، وقد نسبك بإبداع، قالباً يستوعب اضطراب خلجاته! اعتذر عن إشعال أي لظى، أو إثارة شجار بين الهداهد قد خبا! ولكن خذ وصية أخيرة، لا زال بإمكانك أن تتعلم ماذا ينبغي أن تعود أمياً وجاهلاً به، وتجهل «ما تبدع وتجيد»، عندما يكون ذلك أفضل غربلة لك في أوان، أو مقام، أو محيط ما!

كما قال شاعرنا من العصر العباسي: «جهلت دوائي بلا جهل، وقد علمت بدائي».