تعدّ نتيجة انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول التي جرت في 23 يونيو بشرى سارة للديمقراطية في تركيا. فمرشح «حزب الشعب الجمهوري» المعارض أكرم إمام أوغلو، هزم -مرة أخرى- بن علي يلدرم مرشح الحزب الحاكم الذي ينتمي إليه الرئيس رجب طيب إردوغان. وإذا كان بناء الديمقراطية يستغرق وقتا طويلا، فيبدو أن القضاء عليها يستغرق أيضا وقتا طويلا. فحتى مع تسخير كل موارد الدولة ضد إمام أوغلو، نجح هذا الأخير في الانتخابات المعادة بفارق كبير، مما يدل على أن الديمقراطية في تركيا ما تزال تتمتع بالحيوية والانطلاق.

والواقع أن إحدى الإاستراتيجيات الرئيسية التي اتبعها إردوغان في الحملة الانتخابية

-وهي الكشف علنا عن رسالة موجّهة من رئيس «حزب العمال الكردستاني» عبدالله أوجلان من السجن إلى مناصري «حزب ديمقراطية الشعوب» [«حزب الشعوب الديمقراطي»] يطلب فيها مقاطعة الانتخابات- كانت فاشلة.

فرئيس «حزب ديمقراطية الشعوب» صلاح الدين دميرطاش أوعز بنجاحٍ إلى مؤيديه بالتصويت لمصلحة إمام أوغلو، في إشارة إلى أن كفة الجناح السياسي للحركة الكردية ربما تكون قد علت على كفة الجناح المسلّح. وفي الوقت نفسه، ضَعُف موقف رئيس «حزب الحركة القومية» دولت بهجلي، بسبب تأييده الضمني رسالة أوجلان، وهو موقف سيكون من الصعب على قاعدة مناصريه القوميين الأتراك أن تنساه.

وستكون منافسة بهجلي، رئيسة «حزب الخير» ميرال أكشينار، المستفيد الأكبر من هذه التطورات، ومن المرجح أن تصبح واجهة «اليمين الجديد» لتركيا.

وقد تضررت السمة السياسية لإردوغان أيضا، بعد أن تقوضت إلى حد كبير سمعته السابقة كممثلٍ لأولئك المهمّشين من النظام العلماني في تركيا.

فخلال إلغاء الفوز الضئيل الذي حققه إمام أوغلو في انتخابات مارس الأولى، تسبب -عن غير قصد- في ظهور هذا المنافس الناشئ ومؤيديه بصورة المحرومين الجدد في تركيا، مما ساعدهم على زيادة هامش الفوز هذه المرة بحوالي خمسين ضعفا.

إن الدعوة إلى إعادة الانتخابات كانت خطأ، علما بأن كثيرا من المتابعين اعتقدوا أن إردوغان غير قادر على ارتكابها. ومن المرجح أن الخطأ نتج عن تحوّل تركيا عام 2018 من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، مما جعل عملية صنع القرار مركزية بدرجة كبيرة. فلم تعد السياسات تنتج عن طريق عملية مضنية من المداولات بين الخبراء والهيئات الحكومية، ولكن خلال مكائد «سياسة القصر» بين مجموعة صغيرة من المستشارين، الذين غالبا ما يبنون قراراتهم على ما يخدم مصالحهم ويضر بمنافسيهم، بدلا مما هو الأفضل للبلاد.

* مدير برنامج الأبحاث التركية

* معهد واشنطن