في التاريخ القديم والحديث نساءٌ تُكتَب أسماؤهن بمداد الذهب، لعِظم مواقفهن الإيجابية على الناس. فمثلا: بلقيس «ملكة سبأ» كانت تعبد وقومها الشمس من دون الله، لكن عندما بلغتها دعوة نبي الله سليمان -عليه السلام- المتضمنة «أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِين»، لم تغترّ بقول قومها ومستشاريها: «نحن أولو قوة وأولو بأس شديد»، وإنما لعقلها رأت عدم المواجهة حتى تعرف الحقيقة، فأرسلت له هدية، لتعرف هل يتغير موقفه أم لا، فقالت: «وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُون» قال ابن عباس: قالت لقومها إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه، وإن لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه.

وقال قتادة: رحمها الله ورضى عنها، ما كان أعقلها في إسلامها وفي شركها! لقد علمت أن الهدية تقع موقعا من الناس.

وكان من ثمرة عقلها وفهمهما، وقبل ذلك توفيق الله لها، دخولها الإسلام، إذ أعلنت ذلك بقولها: «إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين».

وخديجة -رضي الله عنها- كان لها موقف عظيم مع زوجها نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام- ذلك أنه لما نزل الوحيُ على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غار حراء للمرة الأولى، رجع إلى خديجة -رضي الله عنها- فأخبرها الخبر، وقال: «لقد خشيتُ على نفسي، فقالت له -رضي الله عنها- وهي لا تعلم أنه نبي آنذاك: كلَّا! والله ما يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدُقُ الحديثَ، وتَحمِل الكَلَّ، وتَكسِبُ المعدومَ، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق»، واستحقت بهذا الموقف وغيره من الأعمال الصالحة، استحقت البشارة من جبريل ونبينا محمد عليهما السلام، بأن لها من الله بيتاً في الجنة، من قصب لا صخب فيه ولا نصب.

وهذه الأمة المحمدية ودود ولود، ما زالت تنجب نساءً لهن مواقف شرعية وسياسية أثرت في واقع المسلمين اليوم، ومن تلكم النساء: موضي بنت سلطان الكثيري، من آل فضل من بني لام من طيئ، وهي زوجة الإمام محمد بن سعود، ووالدة الإمام عبدالعزيز بن محمد، والتي قال عنها المؤرخ ابن بشر: «إنها ذات عقل ودين ومعرفة». هذه المرأة كان لها إسهام بارز في التاريخ السياسي للمملكة العربية السعودية، فهي التي قالت لزوجها الأمير محمد بن سعود، إن هذا الشيخ «أي: الإمام محمد بن عبدالوهاب» فضلٌ ساقه الله إليك، فاغتنم ما خصك الله به، فذهب الإمام محمد بن سعود إلى مكان الشيخ، ورحّب به، وأبدى له غاية الإكرام والتبجيل، وقال له: «أبشر ببلادٍ خير من بلادك، وأبشر بالعزة والمنعة، فقال الشيخ: وأنا أبشرك بالعزة والتمكين، وهذه كلمة لا إله إلا الله، من تمسّك بها، وعمل بها، ونصرها، ملك بها البلاد والعباد، وهي كلمة التوحيد، وأول ما دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، وأرجو الله أن تكون إماما يجتمع عليه المسلمون، وذريتك من بعدك»، فكان الاتفاق التاريخي بين الإمامين منذ ذلك التاريخ 1157 للهجرة، وكان من ثمرته هذه الدولة السعودية التي نتفيأ ظلالها الآن، ونسأل الله أن يديم عزها وبقاءها.

فما أعظم موقف تلك المرأة السعودية العاقلة الصالحة موضي الكثيري "أم آل سعود''، وما أنفعه على البلاد والعباد، ونسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتها.

وما أجدر أن يُشاد بها، ويُدعَى لها، وأقترح أن يُجعَل لها وقف خيري، يُنشَر من ريعه الدعوة إلى التوحيد الخالص لله رب العالمين، فهي تستحق ذلك، وهي قدوة صالحة للمرأة السعودية في حبها لدينها ووطنها وقيادتها.