ملاحظ وبشكل كبير أن شهية الحديث عن الأمور الدينية مفتوحة جدا بين طبقات المجتمع المختلفة، والكلام عن المسائل المتعلقة بالدين يشد انتباه مجمل الناس، وباتوا يربطون كل شيء عندهم بالقرآن العظيم، وبالحديث الشريف، بل بالدين كله، وهو ما يعطي حماسة أكثر لأجل التأكيد على أن الدين ليس مجرد شعائر أو طقوس، بل هو أمر حياتي وحضاري، هكذا كان، وهكذا ينبغي أن يكون..

مسألة ربط الأحداث بنصوص القرآن والسنة مسألة تزيد وتنقص، والدخول فيها مخيف، وأهل البصيرة من العلماء لهم موقف من ليّ النصوص وجعلها أدلة للأحاديث المختلفة، وممن تفطن لذلك وحذر منه بكل قوة، الشيخ محمود شلتوت، شيخ الأزهر الشريف، رحمه الله، وقد قال في مقدمة تفسيره للقرآن «إن طائفة المثقفين الذين أخذوا بطرف من العلم الحديث، وتلقنوا أو تلقفوا شيئاً من النظريات العلمية والفلسفية والصحية وغيرها، أخذوا يستندون إلى ثقافتهم الحديثة، ويفسرون القرآن على مقتضاها. نظروا في القرآن فوجدوا الله سبحانه وتعالى يقول «ما فرطنا في الكتاب من شيء»، فتأولوها على نحوٍ زيّن لهم أن يفتحوا في القرآن فتحاً جديداً، ففسروها على أساس من النظريات العلمية المستحدثة، وطبقوا آياته على ما وقعوا عليه من قواعد العلوم الكونية، وظنوا أنهم بذلك يخدمون القرآن، ويرفعون من شأن الإسلام، ويَدْعُون له أبلغ دعاية في الأوساط العلمية والثقافية»؛ ولم يطلق الشيخ تحذيره القوي هذا دون تدليل، فقد تابع في موضع قريب مما ذكر سابقا قائلا «ومن عجيب ما رأينا من هذا النوع أن يفسر بعض الناظرين في القرآن قوله تعالى:«فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين، يغشى الناس هذا عذاب أليم»، بما ظهر في هذا العصر من الغازات السامة، والغازات الخانقة التي أنتجها العصر البشري فيما أنتج من وسائل التخريب والتدمير..».

لست ضد البحث عن أوجه الإعجاز في القرآن الكريم، أو إعلان ذلك للبشر، لكني أخاف من المبالغة في ذلك، مبالغة توقعنا في الخطأ، يقول الشيخ شلتوت «هذه النظرة للقرآن خاطئة من غير شك، لأن الله لم ينزل القرآن ليكون كتاباً يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم، ودقائق الفنون وأنواع المعارف؛ وهي خاطئة من غير شك لأنها تحمل أصحابها والمغرمين بها على تأويل القرآن تأويلاً متكلفاً يتنافى مع الإعجاز ولا يسيغه الذوق السليم..»، وهذا بدون شك، لا يلغي ضرورة العكوف على دراسة الدين ونصوصه دراسة علمية جديدة، والارتقاء من الحفظ إلى البحث العلمي الجاد فيما حفظناه، وحفظه غيرنا، وأن نؤسس مراكز علمية حضارية تؤكد على أن الإسلام يهتم بكل أبعاد العلم المختلفة، وتؤكد على توظيف الدين من أجل خدمة الحياة، ومن أجل البحث في أسرار الخلق وظواهر الحياة، من غير مصادمة لمكانة الدين، ونصوصه العظيمة والشريفة.