قبل حوالي عام مضى، وفي تقرير تم نشره في صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، وصفت فيه أرامكو السعودية: بأنها تحولت إلى مكمن لبراءات الاختراع والابتكار، إلى جانب كونها مكمنا للنفط، إذ تضاعف أعداد علماء المختبرات فيها إلى حوالي 1300 عالم، إضافة إلى فتح 9 مراكز للبحوث، ووصولها إلى الرقم الثالث عالميا في ترتيب براءات الاختراع والابتكارات الجديدة في مجال النفط والغاز.

تذكرت هذا الخبر بعد أن شدني الخبر المنشور في صحيفة «البيان» الإماراتية، والذي يتحدث عن ورشة العمل المتخصصة التي أقامتها حكومة الإمارات العربية المتحدة لبناء وتطوير قدرات ومهارات ألف موظف حكومي مصري في مجالات الابتكار الحكومي، إذ تهدف الورشة إلى تحويل مفهوم الابتكار إلى ثقافة مؤسسية فعالة ودائمة في القطاعات الحكومية المختلفة، وقد تم التركيز في الورشة على عدة محاور، منها: أهمية الابتكار، وأسس الابتكار، ودور القادة في مجال الابتكار، والإستراتيجية الوطنية للابتكار، والإستراتيجية الوطنية للابتكار المتقدم، ومجالات الابتكار، ومنهجية الابتكار.

أقول، إن هذا الخبر شدّني من نواح عدة: سياسية، وتنموية، وتعليمية، وأخرى إدارية. وسأركّز في هذا المقال فقط على الجوانب الإدارية، وذلك بمحاولة المقارنة في هذا الجانب بين المدرسة الإماراتية والمدرسة السعودية.

أقول، الإماراتية لأننا في الحقيقة عندما نتحدث عن الابتكار المؤسسي كفكرة أصيلة في الدولة، خصوصا في منطقتنا، لا بد وأن نشير بشكل دائم إلى الممارسات الإماراتية في هذا المجال، لأنهم بطبيعة الحال قطعوا مشوارا طويلا في هذا الماراثون.

سأتحدث عن عدد من الملامح حول إستراتيجيات حكومة الإمارات حول الابتكار، كما نصت عليها خطتهم الإستراتيجية التي أقروها في 2014. إذ أطلق محمد بن راشد «الإستراتيجية الوطنية للابتكار»، والتي هدف خلالها إلى جعل الإمارات ضمن الدول الأكثر ابتكارا على مستوى العالم، خلال السنوات الـ7 التالية. وقد ارتكزت الإستراتيجية على 4 مسارات:

الأول: مسار يهتم بإرساء البيئة المحفزة على الابتكار، خلال توفير البيئة المؤسسية والتشريعات الداعمة للابتكار، وذلك بدعم حاضنات الابتكار، والتركيز على البحث والتطوير في هذا المجال.

الثاني: توجيه جميع الجهات الحكومية بخفض مصروفاتها بنسبة 1%، ثم تخصيص هذا المصروف لدعم مشاريع الابتكار، خلال إطلاق برامج تدريبية في مجال الابتكار على مستوى الدولة.

الثالث: تحفيز القطاع الخاص نحو زيادة مراكز الابتكار، وتبني التكنولوجيات الجديدة التي تدعم وتنمي المنتجات الوطنية المبتكرة، وكذلك استقطاب الشركات العالمية الرائدة في المجال الابتكاري، لتعزيز مكانة الدولة، وجعلها في مركز عالمي فيما يتعلق باختبارات الابتكارات الجديدة، خلال إنشاء مجمعات ومناطق مخصصة للابتكار.

الرابع: بناء الموارد البشرية، خلال الأفراد الذين يمتلكون المهارات العالية في الابتكار، مع التركيز على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وأيضا ترسيخ الثقافة الوطنية التي تشجع على المخاطرة المحسوبة في ريادة الأعمال، وذلك بالتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والمؤسسات الإعلامية.

وقد تركزت الإستراتيجية الإماراتية للابتكار على 7 قطاعات إستراتيجية، هي: الطاقة المتجددة، والنقل، والتعليم، والصحة، والمياه، والتكنولوجيا، والفضاء.

هذا ما يتعلق بإستراتيجية الابتكار الإماراتية.

أما إستراتيجية الابتكار السعودية، فإن رؤية المملكة 2030 قد ذكرت مصطلح الابتكار دائما كفكرة مصاحبة للأعمال الاستثمارية، التي تنوي الحكومة تفعليها وتطويرها في المستقبل، منها على سبيل المثال: تحفيز الابتكار والنمو في شركات التكنولوجيا المالية. وأيضا دعم الابتكار فيما يخص المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وأيضا تشجيع الابتكار والمنافسة فيما يتعلق بتخصيص الصحة والتعليم، وما يتعلق بتعظيم القدرات الاستثمارية في المملكة.

وفي مسح أجرته الهيئة العامة للإحصاء -منشور على موقعها- عن الابتكار المؤسسي، جاءت كل الأوصاف والأهداف بالارتكاز -وبشكل أساسي- على القطاع الخاص.

هذا لا يعني أن الرؤية أهملت الابتكار في القطاع الحكومي، لا، بطبيعة الحال. ولكن التركيز في المجال الابتكاري جاء محسوبا على قطاع الأعمال بشكل أكبر منه على القطاع الحكومي، ولذا يمكنني القول إن المدرسة الابتكارية للإدارة الحكومية في المملكة تختلف عن المدرسة الابتكارية للإدارة الحكومية في الإمارات.

وذلك، لأن كل حكومة تنطلق في مستقبلها المشرق -بإذن الله- عن مراكز القوى داخلها.

وعليه، فإنني أصل إلى النقطة الأساسية من هذا المقال، لأقول: إنني أعتقد أن على الجهات الحكومية لدينا أن تستوعب هذه الفلسفة، وتعي هذا المفهوم، لتنطلق منه إلى الأدوار الابتكارية التي ترغب الرؤية بالوقوف عليها في مستقبلها القريب والبعيد، فيما يتعلق بتطوير هذا الجانب. إذ إن دورها اليوم يفترض منها، خصوصا الجهات التعليمية والخدمية، وأيضا الجهات التي تتقاطع في أعمالها أو تتكامل فيه مع منشآت القطاع الخاص، أقول، يفترض عليها أن تجعل ضمن أهدافها الإستراتيجية، الأهمية القصوى لدعم الابتكار، خلال وضع المبادرات الخاصة بهذا الشأن، وأيضا اكتشاف الأفراد وتنمية قدراتهم، وكذلك تخصيص الموارد المالية لافتتاح الأقسام والإدارات الخاصة التي يكون عملها الأساسي في تنمية وتعظيم وتطوير كل ما يتعلق بهذا الأمر.

وأخيراً، في اعتقادي، أن الهيئات والمراكز الوطنية الجديدة والمنشأة حديثا، يفترض عليها أن تكون هي الرأس الذي يقود قاطرة الابتكارات المؤسسية في القطاع العام، وذلك في إطار مدرسة الابتكار السعودية الجديدة، والذي رسمته لنا الرؤية العظيمة. وبالمناسبة، فإنني أدعو الجميع -بعد قراءة هذا المقال- إلى أن يطّلعوا على موقع الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، ويقرؤوا عن مبادرتها التي أسمتها «ابتكر 2019».