يرتكز علم الاقتصاد، نظرياً وتطبيقياً، على التعامل مع الإنسان وتأطير تفاعله، إيجاباً وسلباً، مع الموارد المتاحة له في حياته؛ وهذا يعني أنه لا يمكن إغفال هذا الإنسان، ككائن بشري، تقوم أقواله وأفعاله على فِطرته التي ميَّزه الله عزَّ وجل بل وكرَّمه بها ورفع قدره بين سائر المخلوقات، وهي فِطرة تحمل هذا الكم الهائل من المشاعر والأحاسيس التي تحكم تصرفاته وتطلعاته.

هذه الحقيقة شكَّلت مسار النظرية الاقتصادية التي تحاول أن تؤطر هذه العلاقة بين الإنسان وتعامله مع الموارد المتاحة له، فافترضت الرُّشد والمنطِق، وحكمت على الإنسان من خلالهما. ولذلك فإن النظرية الاقتصادية تقدم الأنموذج، وعلى الباحث أن يطوِّع هذا الأنموذج لتحليل وشرح وتبيان الواقع الذي قد لا يتَّسِق مع الأنموذج النظري، وعلى قدر التباين بينهما يمكن له أن يصل إلى رؤية يبني على أساسها حكمه ويحدد خياراته وفق ذلك.

مُعامِلات الارتباط هذه قد لا تكون محددة، وهي ترتبط، بالضرورة، بحسب الحاجة والمسْألة؛ وإن كانت في نهاية الأمر تحاول فهم هذا الإنسان المجبول على التغيُّر وإن خالف التيار.

وعندما يضع المخطط الاقتصادي رؤيته لمستقبل الاقتصاد، فهو بلا شك يضع مُعامِلات الارتباط هذه نصب عينيه ويسعى جاهداً إلى استيعابها في خطته، وهذا يعني، بالضرورة، أن نجاح رؤيته منوط ليس فقط بالفريق المكلَّف بتطبيقها بل بالبيئة التي تتعامل معها هذه الرؤية، وهي مهمة قد تبدو صعبة لكنها في الواقع تمثل تحدياً أمام المخطط الاقتصادي لتحسين الرؤية وانتقاء الفريق العامل لها وتهيئة البيئة الصالحة لتطبيقها، فالتخطيط الاقتصادي عملية شاملة لا تقتصر على وضع الخطة، فأي خطة غير قابلة للتنفيذ ولم تهيأ لها البيئة الصالحة، أفراداً وإمكانات، تصبح عبئاً لا يسمن ولا يغني من جوع.

وفي هذا الارتباط، يُعوَّل كثيراً على تهيئة البيئة الصالحة لنمو وتقدُّم وازدهار الاقتصاد، وهذا يتطلب بالضرورة التهيئة النفسية لهذا الإنسان الذي يُعدُّ محور التنمية وهدفها وغايتها، وهو بالتالي وسيلتها المثلى لتحقيق الأهداف المرجوة. هذا الجانب النفسي لا يعني الاقتصار على تهيئة البيئة المادية، بل يتجاوز ذلك إلى الاهتمام برعاية الجانب النفسي لهذا الإنسان، وهي مهمة تتطلب كفاءة خاصة تقوم على مَلَكَة التفكير والقُدرة على القيادة، وهذا هو البعد الإستراتيجي للتخطيط الاقتصادي الهادف إلى بناء اقتصاد قادر على تجاوز منغِّصات الدورات الاقتصادية أو تقلبات الدخل الطارئة، والوصول إلى تحقيق ذلك يتطلب رِجَالاً أقوياء أمناء، فَحُسْن اختيار المدخلات كفيلٌ بأن تكون المخرجات حَسَنة تحقق الهدف المنشود.