كالعادة، يسقط الإنسان في الوهم، فيظن أنه يحسن صنعا من حيث هو يخطئ الطريق. كعادته يأكل بشراهة حتى يعطي لنفسه الطاقة اللازمة التي تعينه على أعبائه اليومية، مما يسبب له تعبا في معدته، يعوقه عن تحسين مردوديته خلال العمل.

يلجأ إلى الحمية دون معرفة سابقة بقواعدها، فتكون سببا لمرض فقر الدم أو غيره من الأمراض الناتجة عن نقص التغذية.

كالعادة، يمارس أنشطته الرياضية بكثافة، للحفاظ على صحة الشباب دون أن يدري أن النسيان بدأ يلاحقه كظله، وهو أولى علامات الهِرم بعموده الفقري، وإنْ حافظ على صحة الشباب، ناسيا أن القراءة الممرنة لعضلات العقل أول مكافح للشيخوخة كما يرى ميشيل سير، متجاوزة بذلك عمليات التجميل والتمارين الرياضية في مكافحتهما للهِرم، ويوافق سير ميشيل في ذلك قرّاء القرآن الذين جاء الحديث شاديا بنشاطهم قائلا: «أهل القرآن لا يُردّون إلى أرذل العمر»، سابقا بذلك نظرية ميشيل سير في تعريف الشيخوخة، بأنها هرم النشاط العقلي قبل أن تكون القضية شيخوخة جسد.

كالعادة، يصدق الإنسان سيادته على سائر مخلوقات الأرض، في حين أنه أجهل واحد بحقيقته هو نفسه. فبالأحرى أن يدّعي تمكينا في الأرض وهو أضعف مخلوقاتها. كعادته، يعقّد المشكل أكثر، ظانا منه أنه قيد إيجاد الحل المناسب. يلجأ إلى نجدة من سيكون سببا في انتكاسته. يُعرِض وجها عمّن يحبه من أعماقه، لأن الأخير لا يحسن النفاق كما يحسنه الغالبية اليوم.

كالعادة، ينسى مَن مدّ له يوما يد مساعدة، يبني علاقات جديدة لينجو بما تبقى له من رصيد اجتماعي، فيسقط من حيث لا يدري في وحدة قاتلة، في حين كان يظن ثراء علاقاته الاجتماعية، مكتشفا أن الأطماع الإنسانية هي سبب كثرة علاقاته في السابق لما كان يملكه من ثروة، وهي نفسها سبب شحّ علاقاته اليوم لما أصبح عليه حاله من فقدان مال.

لا غرو أنه ينسى أصله الحدائقي، رغم أنه لا يرتاح إلا وسط الطبيعة، فيلجأ إلى التقنية والحضارة ليتبجح في الأخير ويتباهى بأنه لا يأكل إلا ما هو «بيو»، في حين كان يتباهى من قبل بأنه يقتات مما هو مصنّع ولا يفقد نضجه سريعا، بفضل المواد الحافظة التي فَقُه الناس -مؤخرا- إلى شدة ضررها على حياتهم.

ما أحوج الإنسان إلى البوصلة الروحية التي لا تتأتى إلا بالعروج الفكري والروحي عن الظواهر لاكتشاف «كرويتها»، كما اكتشف جاليليو كروية الأرض عوض اعتقاد أفقيتها إلى ما لا نهاية، بفضل عروجه الفكري، بفضل عدسات منظاره الفلكي.