جاء قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بوقف ضربة أميركية محدودة لمواقع إيرانية، ليبرهن مجددًا على أن واشنطن ليست جادة في مواجهة طهران وتقليم أظافرها، وأن الخلاف بينهما خلاف بين شركاء على توزيع المكاسب وليس خلافًا بين أعداء يريد كل منهما هزيمة الآخر.

الرئيس الأميركي الذي أعلن أنه لن يجلس مع إيران أبدًا إلا بعد تنفيذ شروطه، عادَ مجددًا ليعلن أنه مستعد للحوار مع إيران بدون شروط، حيث تشير أغلب التقارير إلى أنه لم يتراجع لأن ضميره استيقظ فجأةً، إنما تراجعَ احتراماً لحسابات العقل التي تشير إلى وجود 269 هدفا أميركيا في الخليج ستضربها إيران، وهو ما يمثل خسائر فادحة للجانب الأميركي، حيث لن يسمح الداخل الأميركي بخسائر في الأرواح أو تهديد المصالح الأميركية، كما أن الداخل الأميركي يدرك تمامًا أن إشعال حرب مع إيران ستكون ببدايةٍ غير محددة النهاية. ترمب لا يريد تكرار ما حدث في مستنقعي العراق وسورية، كما أن الدخول في حرب ضد إيران يطيح بحلمه في الفوز بولاية ثانية، إضافة إلى أن أي ضربة لإيران تعني ارتفاع أسعار البترول بشكل غير مسبوق، حيث قد يصل سعر البرميل الواحد إلى 200 دولار، وهو سعر لا تريد أميركا ولا الغرب دفعه أبدًا خاصة الدول الأوروبية التي ما زالت ملتزمةً بالاتفاق النووي مع إيران وعلى رأسها فرنسا وألمانيا وبريطانيا مع وجود رفض من الصين وروسيا وكوريا الشمالية، وهذا يعني سكب المزيد من البنزين على النار المشتعلة بالأساس في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي خاصة مع تصاعد المخاوف من تدخل أذرع إيران في المنطقة سواءً حزب الله اللبناني أو الحشد الشعبي العراقي أو الحوثيين في اليمن على خط المواجهة، وهو ما يعني تحويل المنطقة لكتلةٍ من اللهب المتصاعد بلا توقف.

تشير التقارير إلى أن ترمب فشل في إجبار إيران على التفاوض مجددًا بشأن برنامجها النووي أو تقديم تنازلات في سورية واليمن ولبنان، وبات واضحا أن التصعيد الأميركي ضد إيران ليس جادا، وليس إلا محاولة أميركية لابتزاز دول الخليج ماليا.

التجارب تثبت أن الخلاف بين أميركا وإيران ليس خلاف أعداء يصل إلى حد الحرب، وإنما خلاف شركاء على توزيع الأنصبة وحجم مكسب كل طرف فيهما من «تورتة العالم».

يعلم جميعُ من يعيشون في دوائر صنع القرار أن شراكة أميركا وإيران بعيدة وممتدة جدًا، والمثال القريب على ذلك هو النظر إلى الحالة العراقية، ففي أوج الخلاف على الملف النووي الإيراني، اتفقت واشنطن وطهران على التهام العراق ونهب ثرواته وتصفية مقوماته كدولة، لذا ما يحدث خلال الفترة الأخيرة يسمي «إستراتيجيات خلق التوتر» والصعود به لأقصى درجة ليربح منه جميع أطراف الصراع على حساب دول أخرى.

تطورات الأحداث تشير إلى أننا نعيش مرحلة سياسة «الضغط على الأصابع» بين أميركا وطهران، ومن يصرخ ويستسلم أولاً هو من يخسر. إيران تُصعد لمواجهة القرار الأميركي بوقف بيع بترولها، وترفع شعار «إما نبيع جميعاً بترولنا أو لا يبيع أحد بتروله»، وأميركا تُصعد التوتر لكسب مزيدٍ من المكاسب الاقتصادية، لكن «دوسةُ زنادٍ خاطئة» ستكلف الجميع ثمنًا باهظًا جدًا. هناك من يذهب إلى حتميه المواجهة بين الطرفين وهناك من يذهب إلى أن طاولة المفاوضات قد تجمعهما قريباً، فهل يمكن أن نشاهد لقاءً يجمع بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الإيراني حسن روحاني في عاصمة عربية قد تكون العاصمة العمانية مسقط؟.