قامت الولايات المتحدة باحتلال العراق، ولم نكن مسؤولين من أجل أخطاء قيادة العراق وأخطاء نخب العراق، أن نغامر ببلادنا في حرب مع أقوى جيوش العالم، بعد أن قامت بلادنا على المستوى السياسي بتحذير قيادة العراق وجيشه من مغبة سياستهم السيئة.

وسلّمت أميركا العراقَ لإيران، ولم يكن ذلك ليكون لولا تعاون الأحزاب الشيعية العراقية مع الإدارة الأميركية، وتفرق كلمة أهل السنة في العراق تفرُّقا أفقدهم القدرة على التعامل الصائب مع الوضع الجديد، وزرع بينهم العداوات التي جعلتهم يخسرون عددا من الفرص التي تمثلت لهم وأضاعوها بأيديهم.

وفي هذا الظرف الحرج، لم تتخل السعودية عن محاولة إنقاذهم، فدعّمت إعلاميا أقرب القوائم الانتخابية لمصلحة العراق، ويرأسها إياد علاوي، وربما كانت قد دعّمتها ماديا وهذا هو المشهور بين العراقيين، وأدى هذا الدعم إلى فوز تلك القائمة بالانتخابات، واستحقاق رئيسها تولي منصب رئاسة الوزراء، لكن الانقلاب الأميركي المُمَكِّن لإيران، وعدم وقوف السنة ومعتدلي الشيعة موقفا موحدا، أدّى إلى تفويز وليس فوز نوري المالكي برئاسة الوزراء، وهو الرجل الطائفي الذي بلغت الجرائم الطائفية بالعراق في زمنه ما لم تبلغه في الشام زمن الحروب الصليبية، لذلك كان موقف السعودية منه صارما، بلغ حد رفض استقباله في مؤتمر القمة العربية الذي عقد في الرياض عام 1435.

وقدمت السعودية أقصى ما تستطيع من أجل العراق، وهو الدعم المالي الذي قدمته وحثت غيرها عليه للشعب، عبر المنظمات الدولية وليس عبر الحكومة الفاسدة.

نعم، لم تكن المنظمات الدولية موفّقة بالكامل في إفادة الشعب العراقي، لكنها كانت الطريق الوحيد الآمن وفق القانون الدولي، الذي لا يمكن للسعودية تجاوزه بسبب ظرفها السياسي الحرج، ومعاناة مؤسساتها بعد أحداث 11/‏‏ 9 التي ارتكبها مجرمون باسم الدين، ثم تحملت السعودية ومشاريعها الدعوية والإغاثية نتائجها السلبية، ولم يكن لديها أقصى من ذلك في ظل الحكم المشترك بين أميركا وإيران، ممثلا في نوري المالكي.

وبعد رحيل الاحتلال، وتغير حكومة المالكي إلى حكومة أخرى، بدأت السعودية الاقتراب من العراق، لتحُول بينهم وبين الأخطبوط الإيراني.

وفي سورية، أخطأ الشعب السوري وتعجّل في ثورة ليس لها قائد واحد ولا هدف واحد، وأخطأ الثوار حينما تفرقوا إلى جماعات تقاتل بعضها، وتكفّر بعضها، وجعلوا من أنفسهم مرتعا للمخابرات الإيرانية والروسية، تحركهم وتلعب بهم.

لا نلوم أنفسنا حين وقفت بلادنا في حياد من الثورة بادئ الأمر، لأنها تعلم مآلاتها، فهي ثورة ضد نظام مغروس لحماية الكيان الصهيوني، وستقف كل الدول الكبرى معه في الحقيقة، وإن زعمت خلاف ذلك في الظاهر، هذا ما كانت تدركه السعودية وهو ما شهدناه واقعا، ثم لمَّا دخل السوريون عنق الزجاجة، ولم يعد بُدّ من أحد خيارين: إما الوقوف مع النظام الظالم القاتل، أو الوقوف مع الشعب، وقفت دولتنا مع الشعب، لكنها كانت تتوجس أن يحصل في سورية ما حصل في أفغانستان، حين كانت الفصائل متعددة، لذا رأت الحكومة السعودية دعم فصيل واحد، وقالت للجميع اتحدوا معه وانضموا إليه وندعمكم، لسنا من الغباء بحيث ندعم جميع الفصائل.

لا نلوم أنفسنا لأن حكومتنا قالت لهم ذلك، بل نلومهم لأنهم رفضوا، وكَفَّروا الجيش الحُرّ وجيش الإسلام، وكفروا ليس لشيء إلا لأن السعودية تدعمه، كما قالوا.

ليست حكومتنا مخطئة حين حجزت ومنعت الدعم الذي كان يذهب من جيوبنا لتتسلمه «داعش» والنصرة اللتان تعاديان بلادنا جهارا نهارا.

وعلى الرغم مما حصل من تكالب أكثر الفصائل، وشرّها النصرة و«داعش»، ضد الفصائل الأخرى وحصول الدماء بين الثوار، وتكفير أكثر الفصائل للسعودية ومن تعاون معها، إلا أننا -ممثلين في حكومتنا- جمعنا الفصائل الكبرى في الرياض، وجعلناهم يوقّعون اتفاقا، وقلنا لهم إن إيران وروسيا ليستا شريكتين في الحلّ، لكن الفصائل غدرت بالدولة الصادقة معها، وأطاعوا إردوغان وتركوا الاتفاق الذي وقّعوا عليه في الرياض، ليجلبهم السلطان الأعظم والخاقان الأفخم إلى اتفاق أستانة الذي ترعاه موسكو وطهران!. أليس من خذلان الله لهم أن صدّقوا أن إيران وروسيا ستنفعانهم؟!

ماذا نفعل لهم حينما جمعناهم ليصنعوا النصر بأيديهم، وتركونا إلى اتفاق يصنعه لهم من يقتلهم.

إن الثوار السوريين غدروا بالسعودية، وذهبت بهم تركيا إلى أحضان إيران وموسكو، ومع ذلك يقال إن السعودية هي التي تخلّت وتركت!.

أما تركيا التي جمعتهم مع قاتليهم، واستغلتهم في مسرحية توسيع حدودها الجنوبية، دون أن تقدم لهم نصرا واحدا، فإننا نرى الثوار وإعلامهم يُدارُون فشلهم معها، وخطأهم في اختيار خيارها، بتحميل السعودية أخطاءهم والتنصل منها.

السعودية اليوم وحدها حقا في مواجهة المشروع الإيراني، ليس معها إلا الله، حتى الثوار السوريون الذين تقتلهم إيران ليسوا معها، وهي تعمل اليوم جادة لجلب القوى العظمى إلى صفها، فيما تعمل تركيا وقطر والجماعات الحزبية الإسلامية إلى جلب القوى العظمى إلى صف إيران: «ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز».