يلعب الإعلام دورا محوريا في تغيير توجه الشعوب ونمط تفكيرها وزرع بعض الأفكار صعبة التغيير، وقد برعت «هوليوود» في ذلك حين صورت الجندي الأميركي كأنسان رحيم (منقذ) صاحب مبادئ وتدريب عالي الجودة، صوّرت القضاء الأميركي بالعدل والمساواة، روّجت للثقافة الغربية أروع ترويج، وبالمقابل صوّرت كل (عربي) كإرهابي، وأبرزت أغلب اللصوص والمحتالين (من أصول أفريقية)، وصورت دول (شرق أوروبا) رجال عصابات، وكلما نظرت إلى فيلم من إنتاجها تجد عامل (البقالة) من الجنسية الهندية، ومهرب المخدرات من دول (أميركا الجنوبية). هذا النمط يتم اختياره بتكرار، ويتم زرعه لا شعوريا في عقول الناس، وهنا يكمن خطر الإعلام الموجه.

لكن رغم ذلك يمتاز الإعلام الغربي باحترافية عالية من ناحية نقل الأخبار والرسائل (المباشرة)، وتحري الدقة بالعناوين (إلى حد ما)، بالمقابل (إقليميا) نرى العكس، فلا يوجد لدينا وسائل إعلامية ضخمة مثل: هوليوود أو وسائل إخبارية متميزة، ويقتصر إعلامنا المرئي على مسلسلات تتمحور حول النقيضين (التهريج) و(الحلطمة)، فإما دموع وبكاء وحب وانهيارات عاطفية أو تهريج كوميدي دون أي هدف أو رسالة، ناهيك عن نشرات أخبار تقليدية بتابلوهات مكررة لا تسمن ولا تغني من جوع.

محلياً هناك بعض البرامج الحوارية الرائعة، قد تكون الاستثناء البسيط من الضعف الإعلامي من ضمنها ما يقدمه (المديفر) من طرح موضوعي باستضافة (بعض) من يستحقون المشاهدة، ولا ننسى برنامج الأستاذ داوود الشريان العائد بقوة والذي نفض الغبار عن (مشاكل) قائمة وقضايا حساسة يرغب كثير في دفنها ووأدها. النقد الموضوعي (مطلوب) ومهم، ولكن النقد العاطفي مضر وهدّام، أما رياضياً فما زال (البتال) يغرد خارج السرب، ويتميز بعدم استضافة المتعصبين ومحللي الكراهية الكروية من نوعية (التطبيل على قد الدفع).

الإعلام هو مرآة الشعوب، وإعلامنا يعكس مجتمعنا، وهناك أشياء جميلة بالمجتمع، لا سيما تضحيات جنودنا بالحد الجنوبي وقصص بطولاتهم المؤثرة، ولدينا أيضاً منظمات الإغاثة والتطوع الخيري التي تجوب الشرق والغرب من أجل توفير الغذاء والتعليم للشعوب المنكوبة، ليتنا نسلط الضوء عما يقدم بالحرمين الشريفين من تفاعل شعبي إنساني لخدمة ضيوف الرحمن طبياً ومعنوياً وخدمياً وإنسانياً، وهناك ما يميز أهل هذه البلد الطاهرة عن جميع بلدان العالم وهو التراحم الاجتماعي. للأسف تركنا السلوكيات العامة والإيجابية، وأصبح إعلامنا يركز على السلوكيات (الشاذة) والشطحات وإبرازها على أنها سلوك عام.

ختاماً، أتمنى أن يكون لنا إعلام يصور مجتمعنا الجميل بحقيقته، ويبتعد عن زرع الصورة النمطية السيئة، وأيضاً أرجو من الكتاب والمثقفين والمحللين وخاصة (الرياضيون) تحري المصداقية حتى لا يصبحوا كبعض ممارسي (الشللية) في قروبات (الواتساب) ووسائل (التواصل الاجتماعي) الذين يتميزون بـ(الانتقائية)، فإن أحبوا شخصا رفعوه للسماء، وإن غضبوا عليه (غسلوه) ليلاً ونهاراً. لا يعلم أولئك المساكين أنهم يبدعون في تكرار مشاهد من رواية (الراقصة والطبال) وبطريقة سمجة.