الفشل توأم النجاح، قد تكون هذه وجهة نظر غريبة، لكن الناظر إلى واقع الحياة بعين الإنصاف يجدها وجهة نظر حقيقية إلى حدٍ بعيد، فالفشل والنجاح (الترتيب هنا لا يهم) يخرجان من بطن التجارب بفارق زمني قليل، ليرافقا الإنسان على مدى سنوات عمره، يتناوبان في صحبته، قد تطول صحبة أحدهما عن الآخر، لكنها لا تدوم على كل حال، يُقال هذا؛ حتى لا يعتقد أبناء جيل الشباب الجديد الجميل حين ينظرون بعين الإعجاب والدهشة إلى أحد الناجحين: إنه يغرف من أنهار العسل، وهل يعرف طعم العسل من لم يتعذب بلسعات النحل؟، إن وراء الوجه المبتسم لكل ناجح في الحياة سنوات من الألم والجهد والعمل.

أقسى ما يُمارسه الوالدان والمعلمون في حق أبنائهم وبناتهم أن ينعتوهم بالفشل، وكأن المطلوب أن يصبح الأولاد والتلاميذ روبوتات تؤدي مهامها دون خطأ أو تقصير، وذاك لعمري غاية القسوة ومنتهى الإجحاف، بل وصل الحد عند البعض أنهم لا يتسامحون مع نقصان العلامات بشيء قليل، فهل هؤلاء ينشدون الكمال من بشر طبعهم ارتكاب الأخطاء والقصور؟، المطلوب هو العكس تماماً، بأن يقف المعلم والأب والأم مع تلاميذهم وأولادهم وقفة المعين الداعم، المتلمس للمجتهد والمجتهدة، عذراً حين يزورهم الفشل، ويربتوا على أكتافهم، ويرددوا على مسامعهم بأنهم بذلوا جهدهم، والقادم أجمل، ولكل جواد في ميدان السباق كبوة، ينهض بعدها منطلقاً محققاً للنصر بتوفيق الله.

حين توجه عتابك إلى معلم أو أب أو أم لقسوتهم على تلاميذهم وأولادهم رغبةً في تحقيق النجاح الدائم، تسمع إجابة يرونها من وجهة نظرهم عادية ومنطقية، يقولون لك: نحن نضغط عليهم بهذه الطريقة ليحققوا أفضل النتائج، بينما في قرارة أنفسنا لا ننشد منهم الكمال، ولهؤلاء يمكن القول: وما أدراكم أن ما تفعلونه لن يأتي بنتائج عكسية؟، فسلامة المقصد ليست كافية مع خطأ الطريقة، وما يحتاجه تلاميذكم وأولادكم هو الدعم الصحيح والتوازن في توزيع الجهد العقلي والبدني باتجاه تحقيق الأهداف إن شاء الله، ومع المناوبة بين العمل والراحة والمكافأة على الإنجاز يستطيع المتعلم تحقيق سلوك أفضل من وضعه تحت الضغط دون جدوى.

في حياة المخترع الأميركي الراحل «ستيف جوبز» محطات للفشل، أنتجت للبشرية شخصاً قدّم كثيراً من الإبداع الرقمي في مجال أجهزة الحاسب الآلي الشخصي منه: (ماكنتوش وآيبوك وآيماك)، واللوحي (آيباد)، وأجهزة آيبود، والهاتف المحمول (هاتف آيفون تحديداً)، حيث بدأ في سن العشرينات من جراج منزله، بالشراكة مع صديقه «ستيف وزنياك»، ليدشنا في عام 1976 جهاز أبل 1، كأول كمبيوتر شخصي لشركة أبل التي تأسست في نفس العام مع شريك ثالث هو «رونالد واين»، ويمكن للقارئ الكريم أن يذهب للبحث والقراءة في تجارب «ستيف جوبز» بين الفشل والنجاح، وكيف استطاع وهو بدون شهادة جامعية أن ينجح في تأسيس وإدارة شركة أبل، ومع أنه حصل في شبابه على ثروة مالية ضخمة، وأخذت ثروته تتضاعف باستمرار في السنوات التالية، لكنه يؤكد أن المال نتيجة وليس هدفاً في حد ذاته، وحبه وشغفه بما يعمل يأتي في مقام أهم من المكسب المادي، وهنا أحد أسرار نجاحه.

كثيرةٌ هي مراكب النجاة من الفشل وتبعاته، ولا ريب أن الثقة بالله والإيمان بالقضاء والقدر أولها وأهمها، إذ يعيش المؤمن حياة عنوانها الأمل والثقة بأن ما حصل له خير والقادم أفضل، أمل لا يتلاشى، وثقة لا تتضعضع، ومما يُحكى عن جيل الآباء والأجداد قولهم: «إذا كُنت جَمّالاً فواعِد عشرة» من باب إيجاد أكثر من فرصة للنجاح، أما التصرفات العبثية وإفلات الأمور كيفما اتفق فحصادها الإفلاس وقبض الريح، ولا يفوت التنبيه إلى الاحتمال الأكثر حدوثاً وهو الشعور بالألم والحزن بعد تجربة ومحاولة فاشلة، ولا لوم على من أحس بهذا الإحساس بعد اجتهاده، بشرط ألا يصبح أسيرا له، ويعيد المحاولة من جديد متحاشيا سيطرة شعور الخوف من الفشل عليه.

يا رفيق الحرف، أرجو ألا تغرق في الصمت إذا احتجت إلى نصائح ترسم لك خطة للتعامل مع الفشل، لا تتردد في طلب مساعدة ونصيحة ممن تعتقد حصولك منه على ما يرضي فضولك ويواسيك في إخفاقك، صحيح أن لكل إنسان تجربته الخاصة مع الفشل، لكن الخطوط العريضة للتجارب البشرية مشترَكة بينهم في كثيرٍ من الحالات، فأسباب الفشل في الزواج والتجارة والدراسة وإدارة المال ـ على سبيل المثال ـ تتعدد في أشكالها وتتشابه في مضامينها، ولا يستغني فرد مهما بلغ من العمر والتجربة عن نصيحة محب ومواساة صديق، ولا نستطيع إنكار النهوض بعد الفشل بدون دعم، لكن لا يمكننا أن نعتبره قاعدة عامة.

yba13@