إن أكرم السبل إلى الكرامة ذاتها هو الأدب ذاته وهو الثقافة ذاتها؛ لأنها تبلغ بنا مبلغا قريبا من الكمال؛ لأن الأدب رسالة مقدسة، ولم يحمل هذه الرسالة إلا رجل عُرضت له كل المهن فلم يلتفت إليها، وهو إن قبل بشيء منها على أن يكون كريما فلن يحيد نظره عن الأدب لا كمهنة يكتسب بها، ولكن كحيلة يجمّل بها نفسه. والأديب الذي تزوّد بقدر كبير من المعرفة وتشرّبَ كثيرا من نبع الثقافة، يستشعر في وجدانه أمرا لا يحس به إنسان معطل العقل ضحل التفكير. يستشعر الأديب الحق ـ وبلا غرور ـ أنه بين أرفع المقامات الإنسانية بلا استثناء. والعقاد عمل في الأدب العربي رحمه الله، يقول في هذا المعنى «أنا أطلب الكرامة من طريق الأدب والثقافة، وأعتبر الأدب والثقافة رسالة يحق لصاحبها أن يصان شرفه». معنى قول العقاد: أنا أطلب الكرامة من طريق الأدب والثقافة، وطريق الأدب والثقافة رسالة يحق لصاحبها أن يُصان شرفه بين أعلى الطبقات الاجتماعية، بل بين أرفع المقامات الإنسانية بغير استثناء. هذا ما قاله العقاد الذي عرفناه رائدا فذا في طليعة أدباء هذا القرن، والذي تركَ لخزانة الأدب العربي ثروة لا تُقدّر بثمن. وكانت قد اتجهت نفسه الرفيعة اتجاها مخلصا للمبدأ الحق وللكلمة وللأهداف المعرفية التي حقق بها نفعا كبيرا في عالم الفكر. لقد كان رحمه الله يطلب الكرامة في طريق الأدب والثقافة، فكان أديبا شجاعا حرا، لم يُسخر قلمه في خدمة من جاهر الحق العداء أو سار على ما يراه العقاد نهجا غير كريم، وقد ظفر بالكرامة والاحترام في حياته، وبعد أن ارتحل إلى العالم الآخر، وفي بيوتنا من مآثره وآثاره الرفيعة ما يجعلنا نواصل طلب الرحمات لروحه من الله تعالى؛ لأنه كان يعيش مثله تلك التي وجد فيها رفعة النفس فيما جاء في أصح التعاليم الإنسانية الخالدة.

ذخائر الذيابي - 1990