رغم ما يواكب موسم الحج في العادة من ضيق في الوقت وزحام وكثرة مهام، بسبب وجود ملايين الأشخاص في وقت واحد وأماكن محددة، يتحركون في اتجاهات متقاربة ويقومون بشعائر مشتركة، إلا أن المملكة تحرص على استغلال هذا الوقت لتقدم كثيرا من اللفتات الإنسانية التي تتفق مع طبيعتها التي عرفت بها منذ توحيدها على يد المغفور له -بإذن الله- الملك المؤسس عبدالعزيز بن سعود، والتي تتمثل في استضافة خادم الحرمين الشريفين آلاف الأشخاص لتأدية فريضة الحج على نفقته الخاصة، إذ يتمتعون بالرعاية والاهتمام، وتُوفَّر لهم كل أنواع التسهيلات التي يحتاجون إليها، ويتم تنظيم برنامج حافل لهم، يتعرفون فيه على المقدسات الإسلامية، وتقدم لهم الهدايا التذكارية التي تجعل أداء الشعيرة ذكرى عطرة تلازمهم طوال حياتهم.

وإضافة إلى برنامج خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة، الذي يستضيف سنويا آلافا من العلماء والمفكرين والمثقفين، الذين أسهموا في زيادة الوعي في مجتمعاتهم، فتكون دعوتهم بمثابة التكريم لهم والتشجيع لغيرهم، إذ يأتون إلى الأراضي المقدسة ويشاركون في الأنشطة الفكرية والثقافية المصاحبة لموسم الحج، ويتعرفون على نظرائهم المفكرين من كل دول العالم، فإن هناك اهتماما متصاعدا لاستضافة فئات أخرى من عامة المسلمين، تقدم لهم الدعوة ضمن البرنامج، ويعتمد اختيار هذه الشرائح المستضافة على عوامل عدة، منها: احتياجهم لأداء الفريضة، وكونهم من الشخصيات الاعتبارية أو الرموز الاجتماعية، إضافة إلى جوانب إنسانية أخرى.

فمن أبرز الذين تتم استضافتهم سنويا ذوو الشهداء الفلسطينيين، الذين فقدوا أبناءهم وإخوانهم وأزواجهم على أيدي جنود الاحتلال الفلسطيني، فهؤلاء يمثل أداؤهم فريضة الحج فرصةً لمواساتهم ومساعدتهم، كي يتغلبوا على أحزانهم ويستأنفوا حياتهم الطبيعية من جديد. ودأبت المملكة -منذ سنين طويلة- على الاهتمام بذوي الشهداء الذين يقدمون أنفسهم فداء لمقدساتهم، لأن قضيتهم هي أكثر القضايا التي توليها المملكة عنايتها واهتمامها.

ولا يقتصر توجيه الدعوة على الفلسطينيين فقط، بل تشمل أعدادا كبيرة من الذين يتوقون إلى أداء الشعيرة وتحول ظروفهم المادية دون تحقيق أمنيتهم.

خلال الموسم الحالي، قام خادم الحرمين الشريفين -في لفتة إنسانية بارعة- بتوجيه الدعوة إلى ذوي شهداء الحادث الإرهابي الذي وقع في نيوزيلندا واستهدف المصلين في مسجدين من مساجد مدينة كرايست تشيرش، وأدى إلى مقتل 50 مسلما وإصابة 48 آخرين بجروح، في جريمة بشعة هزت ضمير الإنسانية، كونها استهدفت مدنيين عُزّل تجمعوا لأداء صلاة الجمعة في ذلك البلد الذي عرف بالتسامح.

ولتخفيف المصاب عن ذوي أولئك الشهداء والجرحى، كان التوجيه الكريم باستضافة 200 منهم على نفقة خادم الحرمين الشريفين.

وفي الإطار ذاته، تم توجيه الدعوة إلى ألف من حجاج الشعب السوداني، 500 منهم من منسوبي الجيش، وأسر وذوي الشهداء من القوات المشاركة ضمن قوات التحالف العربي، و500 من عموم الشعب السوداني الشقيق. كما تم توجيه الدعوة إلى مُسنّ إندونيسي يبلغ من العمر 94 عاما، نشر مقطعا على وسائل التواصل الاجتماعي، أبان فيه رغبته في أداء الفريضة، وسرد قصة مؤثرة تجاوبت معها المملكة، ووجّهت له الدعوة لأداء الفريضة، ليس وحده، إنما بمعية كل أفراد أسرته.

هذا التعامل الإنساني الراقي، والأسلوب المتحضر، يكشفان بجلاء طبيعة الإنسان السعودي، ومقدار الخير الذي يحمله قادة هذه البلاد، الذين يحرصون على ألا تقتصر فرصة أداء شعيرة الحج على الميسورين فقط، بل تمكين الشرائح الضعيفة من الوصول إلى الأراضي المقدسة، وهو ما يمكن تسميته بالدبلوماسية الشعبية التي تخاطب الشعوب والأفراد بصورة مباشرة، وتترك في دواخلهم آثارا إيجابية لا يمحوها تقادم الأيام والسنين. كما تبرز وتترجم المكانة المرموقة والرائدة التي تحتلها المملكة على صعيد العالم الإسلامي، كونها قبلة المسلمين، وحاضنة الحرمين الشريفين.

ويتمتع من تتم استضافتهم ضمن البرنامج بخدمات مميزة، فمنذ وصولهم إلى الأراضي السعودية يتم استقبالهم في المطارات، ويتم وضع البرامج المناسبة لهم، والتي تتوزع بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، لأداء الصلاة في المسجد النبوي الشريف، إلى جانب التشرّف بالسلام على الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- وزيارة المعالم البارزة في المدينة، مثل مسجد قباء، ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ومتحف المسجد النبوي الشريف.

وفي مكة المكرمة، تتاح لهم أيضا زيارة المعالم البارزة، مثل مصنع الكسوة، ومتحف الحرمين الشريفين، ومعرض السلام عليك أيها النبي.

وفي الوقت الذي تتكامل منظومة الخدمات السعودية لحجاج بيت الله الحرام، ويتم تطوير وتحديث كل المرافق، ويشهد كل موسم إضافة جديدة، فإن هناك من لا ينفكون -للأسف- عن ترديد ترهات وتكرار مزاعم يعلم العالم أجمع عدم مصداقيتها، وابتعادها عن الحقيقة، كما تفعل الدوحة بادعاء وجود صعوبات وعوائق تحول دون وصول الحجاج القطريين إلى الأراضي المقدسة، ومحاولتها المستمرة لتسييس هذه الشعيرة التي جعلها الله -سبحانه وتعالى- ركنا من أركان الإسلام.

فالمملكة -كما يشاهد الجميع ويسمع- تنطلق في إشرافها على كل ما يتعلق بأداء هذه الشعيرة العظيمة من مبدأ نبيل، هو تشرفها بخدمة ضيوف الرحمن، بغض النظر عن اللون أو العرق أو الوطن. كما تحرص على عدم ربط الحج بأي قضايا أخرى، لذلك بادرت إلى دعوة السلطات القطرية إلى التنسيق مع المسؤولين في وزارة الحج والعمرة لترتيب وصول حجاجها، وناشدتهم عدم خلط الأوراق وتنزيه الأمور الدينية عن كل خلاف دنيوي، وأنشأت الروابط الإلكترونية على شبكة الإنترنت لذلك الغرض، لكن كل تلك الجهود لم تثمر في إثناء الدوحة عن المضي في سياسة العناد والمكابرة، بسبب رغبتها في الحصول على مكاسب سياسية بأي ثمن، وهو ما رفضته المملكة بحزم ووضوح.